لا اله الا الله محمد رسول الله
الماضى والحاضر
يوسف أحمد محمد طلعت
يوسف أحمد طلعت
الاثنين، 29 يونيو 2009
الاثنين، 22 يونيو 2009
الجمعة، 19 يونيو 2009
زوار الفجر - محمود بكرى
زوار الفجر تصورتهم 'خاطفين' .. وحكم النقض 'السرى' تم تنفيذه بإشارة تليفونية
- توقعنا الحبس فى أى وقت.. إلا بعد ثبوت صحة ما نشرناه ضد المرتشى.. ومع ذلك 'حدث'
- لحظات إنسانية نادرة رافقت إجراءات حبسنا من قسم الحدائق إلى سجن المزرعة
- د. محيى الغريب أول من وقعت عليه أعيننا داخل السجن.. وتوفيق عبده إسماعيل أكثر نشاطا وهو يقترب من الثمانين
- دموع رفعت بشير تساقطت على مدخل السجن.. وخالد محمود 'إنسان بمعنى الكلمة' خلف الأسوار
- ما حدث معى.. ومع شقيقى مصطفى فجر الاثنين الثاني من يونيو بدا لى فى لحظاته الأولى كأنه 'حلم' أو 'هاجس' لم أتبين ملامحه الحقيقية إلا بعد برهة من الوقت.
كنت غارقاً فى النوم فى هذا الوقت المبكر.. فقد كانت عقارب الساعة تشير إلى نحو الربعة والنصف فجرًا حين دق جرس الهاتف فى منزلى.. رحت مسرًعا أرفع سماعة الهاتف لأفاجأ بصوت حرم شقيقى الأستاذ مصطفى تقول لى بصوت خافت 'فى حد جالك'؟.. رحت أسألها عما تقصد بـ'حد جالك' قالت: 'البوليس' رددت عليها بسرعة: أى بوليس؟ ولماذا؟ قالت: ضباط مباحث تنفيذ الأحكام جاءوا للقبض على مصطفى وهم موجودون الآن داخل الشقة، وسيأتون إليك ليأخذوك معهم.
بدا الأمر بالنسبة لى غريبًا ومفاجئاً.. ورحت أسأل حرم شقيقى.. أحكام إيه اللى جايين ينفذوها علينا الآن؟
قالت: حكم السنة حبس الصادر ضدكما فى قضية محمد عبدالعال.
زادت دهشتى ورحت أقول: ولكن حكم السنة موقوف بقرار من النائب العام منذ صدوره فى أكتوبر 1998.
قالت لى: الضباط بيقولوا إن محكمة النقض نظرت القضية بالأمس 1/6 وقررت تأييد الحكم.
أصابنى الذهول، ورحت أتساءل عن كيفية نظر قضية معروضة منذ خمس سنوات أمام محكمة النقض دون أن نعلم، أو يتم إخطارنا، أو يعلم محامونا أى شىء.
لم أصدق الأمر.. ورحت بعد أن أغلقت سماعة الهاتف أطلب شقيقى مصطفى على الهاتف لأحادثه هو هذه المرة.. فقد تصورت أن الأمر خدعة، لأنه من غير المعقول ـ حسب ما أرى ـ أن تنعقد محكمة النقض وتؤيد الحكم دون أن نأخذ فرصتنا حتى فى الاستعداد لتنفيذ الحكم، ثم إننى توقعت أن يكون هؤلاء القابعون فى شقة شقيقى من المنتحلين لصفة الضباط، وقد يكونون من العصابات التى تستأجرها بعض جماعات الفساد ـ ممن نلاحقهم ـ للانتقام من ملاحقاتنا لهم على صحفات 'الأسبوع'.. فلم أكن أتوقع، ونحن فى القرن الحادى والعشرين، وفى العام 2003 منه أن يأتى ضباط مصريون على هيئة 'زوار فجر' يقتحمون مسكن رئيس تحرير، ونائب رئيس تحرير عند هذا الوقت المبكر جدًا، ليروعوا الأطفال، ويثيروا الذعر فى المكان.. وقلت فى نفسى: 'لو أنهم ضباط حقيقيون لرفعوا سماعة الهاتف، أو ارسلوا إلينا قصاصة ورق، ولذهبنا إليهم بأنفسنا إلى إدارة تنفيذ الأحكام.. فلسنا نحن من نخاف من تنفيذ حكم ـ أيًا كان ـ ولسنا نحن ممن يفكر فى الهرب حتى يتعاملوا معنا بهذا الشكل.. فلقد قررنا منذ زمن بعيد أن نحمل رسالتنا فى قلوبنا، وأن نتمسك بأرض الوطن حتى آخر لحظة فى حياتنا'.
كانت هذه الهواجس التى انتابتنى حافزًا لأن أطلب من شقيقى مصطفى أن يتأكد من شخصية هؤلاء الضباط.. وكانت المفاجأة أنه أكد لى أنهم ضباط مباحث تنفيذ الأحكام، وراح يحثنى على سرعة الاستعداد، لأنه على وشك النزول مع الضباط، وأنهم سيتجهون إلى منزلى لاصطحابى.
توقعت أن يصلوا إلىّ فى غضون عشر دقائق لا أكثر.. فالمسافة من مسكن مصطفى حتى مسكنى لا تستغرق أكثر من هذا الوقت.. على الفور رحت استعد للمغادرة، فيما انخرطت زوجتى فى إعداد حقيبة صغيرة بها بعض اللوازم الضرورية لمثل هذه الرحلة التى تمتد لنحو العام.
بهدوء شديد تعاملت مع الأمر.. وخلال دقائق كنت قد هبطت إلى الشارع، حيث استقبلت الضباط ومهم شقيقى مصطفى، والذين توجهوا بنا على الفور إلى قسم حدائق القبة.. فمن هناك تبدأ رحلة الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم.
وفيما كانت السيارات المصاحبة لنا تشق طريقها صوب قسم الحدائق.. رحت استرجع بذاكرتى هذا الحكم المثير، الذى كنا نتوقع تنفيذه فى أى وقت منذ أصدره ضدنا المستشار حسيب البطراوى بعد جلسة لم تستغرق ثلث الساعة فى الثانى والعشرين من أكتوبر لعام 1998، والذى تم ايقاف تنفيذه بقرار من النائب العام المستشار رجاء العربى آنذاك.. لحين الفصل فى الطعن بالنقض.
أقول.. كنا نتوقع تنفيذه فى أى وقت إلا هذا الوقت على وجه التحديد.. لأنه وقبل أسبوع فقط على موعد صدور حكم النقض، والذى صدر يوم الأحد (1/6) كان الأحد الذى يسبقه (25/5) يحمل شهادة تامة ببراءتنا المطلقة من الاتهامات التى وجهناها لـ محمد عبدالعال، وتم بسببها صدور الحكم بحبسنا لمدة عام.
- 3 -
لقد اتهمناه بالفساد، والرشوة، والابتزاز، ثم شاءت الأقدار أن تقرر نيابة أمن الدولة العليا إحالة محمد عبدالعال إلى المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا بتهمة الابتزاز وتقاضى رشاوى، وبعد جلسات استمرت لعد ة شهور أصدرت محكمة أمن الدولة العليا برئاسة السيد المستشار وصفى ناشد حكمًا تاريخيًا أثلج صدورنا.. إذ جاء مؤيدًا لكل ما حوكمنا بسببه فى قضية عبدالعال، حيث قررت المحكمة معاقبة محمد عبدالعال بالسجن لمدة عشر سنوات مع الشغل، وتغريمه 40 ألف جنيه، وفصله من موقعه كرئيس للحزب الذى يترأسه وهو 'حزب العدالة' ومن موقعه الصحفى كرئيس لمجلس إدارة صحيفة 'الوطن العربى'.
بعد أن صدر الحكم فى الخامس والعشرين من مايو الماضى بسجن عبدالعال، بلغت ثقتنا مائة بالمائة بأننا سنربح النقض ونحصل على البراءة بمجرد تقدمى صورة تنفيذية من الحكم الصادر بحقه إلى محكمة النقض ليضم إلى الطعن المقدم، والذى سيدعمه بلا شك، ويثبت، وبما لا يدع مجالاً للشك، أننا حين تصدينا له مبكرًا على صحفات جريدة 'الأحرار' خلال عامى 95 و1996 لم نقل غير الحقيقة.
كانت ـ فى تلك اللحظات ـ تتردد فى مسامعى الكلمات البليغة التى أعلنتها المحكمة برئاسة السيد المستشار وصفى ناشد وهى تعلن الحكم على عبدالعال.. وتوقفت عند الكلمات التى أهابت فيها بالصحافة وأصحاب الأقلام ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة أن يتصدوا لهؤلاء الدخلاء على الصحافة من أمثال عبدالعال.. وألا يتركوهم يسيئون بأفعالهم الدنيئة، وابتزازهم للشخصيات العامة إلى سمعة الصحافة.
وبينما كانت السيارات تقترب من قسم حدائق القبة.. رحت أردد فى داخلى معلقاً على الكلمات البليغة والمناشدة الموضوعية للمستشار وصفى ناشد. فقلت فى صمت: 'لقد تصدينا لصاحب مدرسة الابتزاز الرخيصة.. والنتيجة أننا وبسبب هذا فى طريقنا إلى السجن لتنفيذ حكم بالحبس لمدة عام.. لأننا قلنا فى عبدالعال.. أقل بكثير مما قالته المحكمة'.
حين أوقفت السيارات محركاتها أمام قسم الحدائق.. هبطنا أنا وشقيقى مصطفى من سيارة العقيد محمد هاشم مدير إدارة تنفيذ الأحكام بالقاهرة، حاملين معنا حقائبنا إلى حيث الطابق الثانى، حيث وضعنا فى غرفة رئيس المباحث.
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة بقليل من صباح الاثنين حين صعدنا لغرفة رئيس المباحث.. وعلى الفور بدأ العقيد محمد هاشم اجراءات الحبس والترحيل.. ولم تمض لحظات حتى كان الزملاء بـ'الأسبوع' يتوافدون علينا بعد أن انتشر الخبر بسرعة فائقة فى هذا الوقت المبكر من الصباح.. كان الزميل السيد جمال الدين رئيس قسم الحوادث بـ'بالأسبوع' أول الوافدين بعد أن ترك تشييع جثمان عمته التى توفيت وكانت على وشك الدفن، ثم وصل الزميل عبدالفتاح طلعت مدير التحرير وبصحبته شقيقنا عبدالحميد بكرى.. وهكذا راح الزملاء يتوافدون للاطمئنان، ثم المغادرة.
بعد قرابة خمس ساعات قضيناها فى قسم الحدائق،. توجهنا بصحبة ضباط تنفيذ الأحكام إلى نيابة غرب القاهرة الكلية الكائنة بمحكمة جنوب القاهرة باب الخلق.. قضينا نحو الساعتين داخل النيابة فى انتظار الاجراءات المتممة لعمليات الحبس.. وكانت المفارقة المثيرة التى واجهتنا فى النيابة أن أوراق القضية التى نحبس من أجلها لم تصل بعد من محكمة النقض إلى النيابة. وحين تساءلنا: إذن على أى أساس يتم تنفيذ الحكم، بينما الأوراق التى تحمل الصيغة التنفيذية للحكم لم تصل بعد إلى النيابة؟ جاءنا الرد على لسان المحامى العام بأن الحكم تم تبليغه بإشارة تليفونية.
علت الدهشة ملامحى، وزادت الأسئلة الغامضة التى راحت تتراكم منذ الصباح.. فلماذا هذه السرعة فى التنفيذ؟ ولماذا يتم التنفيذ فجرًا؟
ولماذا اختيار يوم الاثنين الذى كان هو موعد وصول السفاح جورج بوش إلى مصر لعقد قمة شرم الشيخ فى أول زيارة يصل فيها الرئيس الأمريكى لمصر؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
وبينما كنت غارقاً فى جمع التساؤلات، وربط الأحداث.. أبلغنا رئيس النيابة المختص أن اجراءات نيابة غرب القاهرة قد انتهت.. وكان علينا آنذاك أن ننتهى من المرحلة الثالثة من الاجراءات.
من الباب الخلفى لمحكمة جنوب القاهرة اصطحبنا الضباط إلى مبنى إدارة تنفيذ الأحكام الملاصق لمبنى مديرية أمن القاهرة.. هناك كان علينا التوقيع على نماذج الحبس،وعمل الفيش والتشبيه المكون من ثلاث نسخ.. وعند تلك المرحلة ـ مرحلة عمل الفيش والتشبيه ـ وبينما كان مساعد الشرطة ينهى هذا الإجراء، وبالرغم من كل التعاطف الذى شهدناه من الضباط منذ الصباح وحسن المعاملة، إلا أن أحد ضباط الشرطة فى إدارة تنفيذ الأحكام أقدم على موقف دفع بدمعة من عينى لأن تخرج عنوة.
كان شقيقى مصطفى قد سبقنى إلى عمل الفيش والتشبيه.. وما أن أنهى إجراءاته، وفيما كنت استعد بدورى، فوجئت بأحد ضباط مباحث تنفيذ الأحكام يهرول مسرعًا نحو أحد الدواليب ويخرج منه 'فوطة وصابونة' وراح مسرعًا يتجه نحو الأستاذ مصطفى الذى كان يغسل يديه على الحوض من آثار الحبرالأسود الذى ملأ يديه بسبب عمل الفيش.. راح الضابط يعطى الصابونة لشقيقى مصطفى ليغسل بها يديه، وحين انتهى من ذلك، وجد الضابط واقفاً إلى جواره حاملاً له 'الفوطة'.. حينذاك راح الأستاذ مصطفى يشكره على هذا التصرف النبيل..
- 4 -
فما كان من الضابط إلا أن رد عليه قائلاً 'أنا لى الشرف أن أخدمك يا أستاذ مصطفى.. فأنت صاحب قلم حر.. وبتعبر عنا جميعًا'.
كانت تلك الكلمات تعبيرًا حقيقيًا عن المشاعر الوطنية التى قابلتنا خلال تلك الساعات العصيبة.. سمعناها من ضباط ووكلاء نيابة، ومحامين، ومواطنين، عاديين قابلونا ونحن نتنقل داخل تلك الأماكن.. وكانت محصلتها أن شعورًا متزايدًا بالمواقف الوطنية ها نحن نلمس نتائجه على كل المستويات.
كان الاتجاه فى بداية اجراءات الحبس هو أن نودع سجن الاستئناف ـ أكثر السجون المصرية سوءًا ـ ولكن يبدو أن بعض من يديرون الأمور برؤية أمنية مستنيرة فى وزارة الداخلية استدركوا الأمر وقرروا تغيير مكان الحبس إلى سجن مزرعة طرة.. خاصة بعد أن أبدينا اعتراضنا على سجن الاستئناف.
عند الساعة الثالثة والربع تقريبًا كانت الاجراءات قد انتهت من إدارة تنفيذ الأحكام.. وما هى إلا لحظات حتى انطلق طابور السيارات الذى يصحبنا إلى خارج مبنى المديرية، حيث ودعنا الأصدقاء والزملاء الذين تجمعوا خارج المبنى لوداعنا.. كان بعضهم يذرف الدموع.. وكنا نحن نشجعهم ونقول لهم: 'هذه ضريبة محاربة الفساد... ونحن راضون عما أصابنا، ومؤمنون بقضاء الله وقدره أيًا كان.. وطلبنا من زملائنا الصحفيين أن تستمر 'الأسبوع' فى غيابنا كما هى طريقاً للباحثين عن الحقيقة.. وسوطاً يلهب أجساد الفاسدين، ويقتص للمقهورين والمحرومين.
انطلقت السيارات إلى حيث المحطة الأخيرة فى هذا اليوم وبعد رحلة استمرت لأكثر من عشر ساعات.. وبعد نحو ثلاثة أرباع الساعة كنا قد وصلنا إلى مدخل منطقة سجون طرة على طريق الأوتوستراد.. عند المدخل كان على السيارات التى جاءت من خلفنا أن تعود، حيث لن يسمح لها بالمرور إلى الداخل فى الطريق إلى سجن المزرعة.. كان الحاج رفعت بشير عضو مجلس الشعب عن السويس قد علم بخبر القبض علينا.. وفوجئنا به عند مدخل السجن يهبط من احدى السيارات ومعه أحد المواطنين.. كان النائب رفعت بشير متأثرًا للغاية بالخبر المؤسف.. وأراد أن يودعنا بطريقته فاقترب من باب السيارة التى تحملنا وراح يقبل يد مصطفى، فيما انخرط من معه فى بكاء مرير.. رغم أننا لم نتشرف بمعرفته من قبل.
لحظات وكنا نودع العالم الخارجى،ونتجه صوب بوابة صغيرة، كتب فوقها عبارة 'سجن مزرعة طرة العمومى'.. من غرفة المأمور العميد سمير عبدالغفار.. إلى غرفة نائب المأمور العقيد أسامة أبو الهيثم إلى غرفة ضابط المباحث رائد شيرين رحنا نتنقل لإنهاء المرحلة الأخيرة من الإجراءات قبل أن نتجه إلى أماكن الحبس فى الداخل بعد أن جلسنا مطولاً فى مكتب المقدم محمد عشماوى ضابط مباحث أمن الدولة.
ولأننا 'محكومون' بلغة أهل السجون.. فقد أخذت منا الفلوس التى معنا وأودعت فى الأمانات، فيما صودرت الملابس غير الزرقاء التى لا تتناسب مع ملابس السجون بالنسبة للمحكوم عليهم..وتم إعادتها.. ومن هذه اللحظات أصبحنا مسجونين بالملابس الزرقاء ننفذ حكما بالحبس، وننقطع عن عالمنا وعملنا ووطننا وعائلاتنا لأننا كشفنا فاسدًا أثبت القضاء فساده.. وبدلاً من أن نكافأ لأننا سبقنا الجميع فى كشف فساد محمد عبدالعال.. وبدلاً من أن يتم تقديرنا لتصدينا لهذا الفاسد.. بدلاً من كل ذلك.. هانحن نقضى عقوبة الحبس فى سجن مزرعة طرة وفقاً لسيناريو بدا لنا أكثر درامية ومأساوية مما كنا نتخيل.
'هذه إرادة الله.. وما علينا إلا أن نصبر ونحتسب'.. هكذا قلت لشقيقى مصطفى ونحن نجتاز مبنى الإدارة إلى حيث محبسنا.. ورحت أذكره بالكلمة التى قلتها له يوم تآمروا عليه فى 'الأحرار' فجر 28 من أغسطس لعام 1996.. قلت له آنذاك :'رب ضارة نافعة.. وكانت بالفعل نافعة.. فلم تمض ستة أشهر حتى كانت صحيفة 'الأسبوع' تخرج إلى الدنيا.. لتتحول خلال سنوات معدودة إلى ملء السمع والبصر، وقبلة لكل الوطنيين والأحرار والشرفاء فى مصر..
كنا نخطو نحو محبسنا، ولدى فى داخلى إيمان عميق بأن الخير فيما هو قادم.. وأن بعد العسر يسرًا.. كان قلبى فى تلك اللحظات مليئا بالعزيمة والإيمان والطمأنينة. ورحت أمازح شقيقى مصطفى وأقول له: 'ها نحن يا أخى نعود للحبس سويًا مرة أخرى.. ففى العام 1981 ـ كنا صغارًا ـ حين جمعنا ليمان طرة بعد مقتل السادات، وها نحن وبعد 22 عامًا نعود سويًا لسجن مزرعة طرة ورحت أضيف:
'أنا فى منتهى السعادة فى هذا اليوم بالذات' سألنى مصطفى: لماذا؟ قلت له: لأننا مازلنا رغم كل هذه السنوات ثابتين على مواقفنا.. فالحمد لله أننا لم نضعف يومًا.. خولم نضل الطريق.. فهل هناك من سعادة أكثر من أن يجد الإنسان نفسه محترمًا أمام ذاته.. أومأ لى مصطفى برأسه قائلاً 'ولو قدر لنا أن نعيش مثل هذا العمر أو أكثر فلن تتبدل مواقفنا بإذن الله.. وسنظل ندافع عن شعبنا ووطننا حتى ولو قضينا بقية عمرنا خلف الأسوار'.
كنا فخورين بأنفسنا ونحن نقترب من محبسنا.. وما هى إلا لحظات حتى وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع الدكتور محيى الدين الغريب وزير المالية السابق، الذى رحب بنا بحرارة وراح يطرح علينا أمام الضباط المصاحبين لنا سؤالاً استفهاميًا 'طيب إحنا ومعروفين جينا هنا ليه..
- 5 -
وأنتم إيه اللى جابكم هنا؟'.. كان السؤال أصعب من أن نجيب عليه فى تلك اللحظات التى كنا ننتظر فيها تجهيز المكان الذى سنتخذه محبسًا لنا على مدار سنة السجن المحكوم بها علينا، والتى تحسب هنا بتسعة أشهر وليست سنة كاملة.
كان علينا أن نتعرف على زملائنا فى الحبس.. فبعد الدكتور محيى الدين الغريب كان الوزير السابق لشئون مجلسى الشعب والشورى توفيق عبده إسماعيل وفؤاد الهجرسى.. وغيرهما من رفاق الحبسة والذين يبلغ عددهم اثنى عشر فردًا.
بسرعة غريبة تأقلمنا على أجواء السجن، وبسرعة أكثر رحنا نتقابل مع نزلاء السجن الآخرين أمثال النائبين السابقين والمتهمين فى قضية نواب القروض خالد حامد محمود وإبراهيم عجلان.. وعلى طه رئيس مصلحة الجمارك السابق، والشباب الذين حاولوا اغتيال نجيب محفوظ، وبعض المسجونين فى قضايا قتل الرئيس السادات، وجماعات الإخوان المسلمين، وبعض القضاة والمستشارين المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة، وضباط شرطة سابقين، والمتهمين فى قضية حزب التحرير الإسلامى وغيرهم.. وغيرهم.
الحكايات داخل السجن أكثر من أن تستوعبها الذاكرة.. ولكن ملامح الشخصيات تبدو فى داخل السجن، وكأنها وجدت فى هذا المكان مستقرًا للأمان.. فالدكتور محيى الدين الغريب هو أكثر من يواظب على الصلاة فى مجموعتنا، وتجده كل يوم يتلو القرآن من بعد صلاة المغرب حتى العشاء.. ويتعامل مع النزلاء وكأنه واحد منهم ويتولى بمهارة الإشراف على الخدمات الخاصة بالمجموعة المسجونة معه أما الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل فيتمتع فى أوساط المساجين بشعبية كبيرة.. وربما يعود ذلك إلى خفة الدم التى يتمتع بها، وتاريخه كواحد من الضباط الأحرار والذى يروى الكثير من حلقاته هنا بين المسجونين، ناهيك عن حيويته وتمتعه بالنشاط الرياضى اليومى المبكر رغم بلوغه السادسة والسبعين من عمره.
أما مفاجأة هذا الحبس.. فهو خالد حامد محمود النائب السابق ونجل الوزير السابق والسجين فى عنبر (4) مع المجموعة الرئيسية لنواب القروض.. فالمساجين هنا يتحدثون عنه بكل خير.. خاصة بعد أن انقطع للعبادة، ولم يعد يخرج من محبسه إلا للضرورة، كأن يصلى الجمعة فى مسجد السجن، أو يخرج لاستقبال زائر.. وحين التقيناه فى اليوم الثانى لحبسنا بالسجن كان استقباله لنا حميميًا.. قال وهو يسلم علينا بحرارة رغم أن هذا أول لقاء بيننا: 'أنا اختلف مع بعض ما تكتبونه.. ولكنكم تكتبون بصدق.. وهذا احترمه فيكم.. وأمثالكم ليس هذا مكانهم.. أنتم مكانكم هناك فى صحيفتكم لتقولوا كلمتكم لصالح الناس'.
بشكل متسارع رحنا ننخرط فى حياتنا الجديدة 'حياة السجن' فللحياة هنا طقوسها وتقاليدها الخاصة.. فاليوم خارج العنابر يبدأ عند السابعة والنصف صباحًا، وينتهى فى الخامسة والنصف مساءً.. فخلال هذه الفترة امتلكنا حرية التجوال داخل السجن.. وحين يغلق الباب تنقطع علاقتنا إلا بمن هم مسجونون معنا، حيث نتعايش مع النزلاء المحكومين نسمع حكاياتهم ورواياتهم.. ونتبادل الرؤى فى عالم يتشوق كل من فيه إلى الخروج.. من دائرة الحبس إلى آفاق الحرية.
- 6 -
تحية خاصة
تستحق إدارة سجن مزرعة طرة وعلى رأسها اللواء رشيد مدير عام منطقة سجون طرة كل تحية وتقدير على معاملتهم الإنسانية، فتحية شكر وتقدير إلى السادة اللواء إيهاب فرج والعميد سمير عبدالغفار والعقيد أسامة أبو الهيثم والعقيد سمير سالم والمقدم محمد عشماوى والمقدم محمودالبساطى والمقدم مصطفى عبدالعزيز والرائد شيرين وغيرهم من الضباط وتحية تقدير خاصة إلى العميد محسن رمضان ضابط أمن الدولة بمنطقة طرة.
شكرًا.
تحمل العديد من رموز الوطن، من قيادات وشخصيات عامة وصحفيين وإعلاميين وفناين وكتابًا وأدباء وغيرهم مشقة الوصول إلى منطقة طرة لزيارتنا خلال فترة الحبس.. ويستحق هؤلاء شكرًا خاصًا لمسعاهم الإنسانى والتضامن النبيل ومنهم:
ـ اللواء حمدى عبدالكريم نائب مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية.
ـ يحيى قلاش سكرتير عام نقابة الصحفيين.
ـ سعيد عبدالخالق عضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيس تحرير الميدان.
ـ أحمد موسى رئيس قسم الحوادث بالأهرام.
ـ حمدين صباحى عضو مجلس الشعب وعضو مجلس نقابة الصحفيين.
ـ صلاح حاتم المذيع بالتليفزيون المصرى.
ـ أحمد إبراهيم الكحيت أحد العناصر الفاعلة بمنطقة حلوان.
ـ د. أيمن نور عضو مجلس الشعب
ـ ياسر رزق عضو مجلس نقابة الصحفيين
ـ محمد صلاح الزهار أخبار اليوم
ـ محمد الدماطى الحامى
ـ على عبدالعزيز المحامى
ـ مصطفى عبدالعزيز (الوفد)
ـ ناجى الشهابى نائب رئيس حزب الجيل
ـ حامد زيدان نائب رئيس حزب الجيل
ـ عبدالعليم مروان عضو الهيئة العليا لحزب الجيل
ـ الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.
ـ محمد حسن الألفى المستشار الإعلامى لوزير الثقافة
ـ محمود مهدى نائب رئيس تحرير الأهرام
ـ إبراهيم حفنى رئيس تحرير صوت قنا
ـ عبدالهادى تمام الصحفى بالأهرام
ـ حمدى حمادة (صوت الأمة)
ـ حسين عبدالقادر (أخبار اليوم)
ـ صلاح الدالى المعد بالتليفزيون المصرى
ـ حنان منصور مذيعة بالتليفزيون المصرى
ـ المذيع القدير الأستاذ حمدى قنديل
ـ اللواء منصور العيسوى محافظ المنيا ومدير أمن القاهرة الأسبق
ـ أحمد عبدالرحمن صاحب معرض إيجبت كار
ـ سمير عيسى المحامى
ـ محمد مصطفى مدير مكتب صحيفة السياسة الكويتية بالقاهرة
ـ مختار عبدالعال رئيس التحرير التنفيذى لجريدة الجيل
ـ عبدالله تمام رئيس تحرير أخبار أسيوط
ـ د. نبيل لوقا بباوى عضو مجلس الشورى
- 7 -
ـ عادل عيد عضو مجلس الشعب
ـ الشاعر الكبير فاروق جويدة
ـ اللواء رمضان زهير القائد السابق لسلاح المدرعات
ـ صلاح قاسم (رجل أعمال)
ـ د. أسامة أبو طالب وكيل وزارة الثقافة والمخرج والناقد المسرحى المعروف.
ـ عبدالنعيم آدم عضو مجلس إدارة شركة المقاولون العرب
ـ مصطفى عوض الله عضو مجلس الشعب
ـ ممدوح قناوى المحامى وعضو مجلس الشورى السابق
ـ ممدوح رمزى المحامى
ـ جميل مغازى مخرج تليفزيونى
ـ أحمد سليمان الحداد (مواطن)
ـ د. أنور رسلان العميد السابق لحقوق القاهرة وعضو مجلس الشورى
ـ ماهر الجربوعى سكرتير عام رابطة أبناء قنا بالقاهرة
ـ عاطف النجمى المحامى ورئيس جمعية الدفاع العربى
ـ فاروق معتوق مدير عام بمجلس الشورى
ـ المستشار محمد ظهرى
ـ الكاتب الكبير محمد عودة
ـ عبدالعظيم مناف رئيس تحرير صوت العرب
ـ الكاتب الكبير يوسف الشريف
ـ اللواء محمد عبدالفتاح عمر مساعد وزير الداخلية الأسبق
ـ اللواء أحمد عبدالسلام
ـ رفعت بشير عضو مجلس الشعب
ـ اللواء رفعت دنقل القائد الأسبق لفرق أمن القاهرة
ـ د. عصمت دنقل وكيل وزارة الصحة بقنا.
ـ خالد دنقل
ـ الصحفى الكبير عبدالمنعم الجداوى (مجلة المصور)
ـ حسنين كروم مدير مكتب جريدة القدس العربى بالقاهرة
ـ خالد المناوى (رجل أعمال)
ـ خالد مدين ضابط سابق بمكتب وزير الداخلية
ـ أحمد يوسف صحفى بجريدة الرأى
ـ الفنانة القديرة سناء يونس
ـ عصام كامل مدير تحرير الأحرار
ـ السفير إبراهيم يسرى محام ومحكم دولى
ـ اللواء سفير نور رئيس مجلس إدارة المعاهد القومية
ـ الدكتور نبيه العلقامى عضو الأمانة العامة للحزب الوطنى وعضو مجلس الشورى
ـ مصطفى كامل مؤلف أغان
ـ الفنان الكبير حمدى أحمد
ـ الفنان سامح الصريطى
ـ أسامة الشيخ المخرج بقناة دريم
ـ السيناريست الكبير وحيد حامد
- هذه الشخصيات هى التى تمكنت من الوصول لزيارتنا فى السجن، هذا بخلاف الاخوة والزملاء بصحيفة 'الأسبوع' وأفراد العائلة.. أما من لم يتمكنوا من الوصول، وتمت اعادتهم لعدم حصولهم على تصريح زيارة فقد بلغ متوسطهم 50 فردًا يوميا، كانوا يأتون إلى منطقة طرة، ثم يعودون دون زيارتنا.. فشـكـرًا لهم جميعا.
- 8 -
رفاق السجن
فى عنبر المستشفى الذى أودعنا فيه داخل سجن مزرعة طرة كان معنا عدد من المسجونين بقضايا مختلفة، وبأحكام مختلفة.. ومن هؤلاء:
ـ د. محيى الدين الغريب وزير المالية الأسبق ( 8 سنوات)
ـ توفيق عبده إسماعيل وزير شئون مجلسى الشعب والشورى الأسبق (15 سنة)
ـ فؤاد عبدالمنعم هجرسى عضو مجلس الشعب الأسبق (15 سنة)
ـ إيهاب محمد ـ رجل أعمال ـ (3 سنوات)
ـ جلال عبدالمنعم ـ مخدرات ـ (مؤبد)
ـ أحمد جليل البندارى ـ مهندس ـ (6 سنوات)
ـ رامى إلياس سياج ـ رجل أعمال ـ (6 سنوات)
ـ ناجى السيد ـ ضابط شرطة ـ (15 سنة)
ـ أحمد محمود رياض ـ مهندس ـ (سنتان)
ـ ياسر سعودى ـ رجل أعمال ـ (12 سنة)
ـ أحمد هندى ـ محام ـ (3 سنوات)
ـ عمرو أحمد كامل ـ ضابط شرطة ـ (سنة)
ـ باسم محمد مسعود ـ ضابط شرطة ـ (سنة)
ـ محمد كامل عبدالصمد ـ رجل أعمال ـ (6سنوات)
ـ هشام محمود عبدالعزيز ـ تيار إسلامى ـ 15 سنة
ـ محمد يوسف مدنى ـ قطاع البترول ـ (3 سنوات)
ـ محمد رضا
ـ علاء الشنوانى ـ محاسب ـ (9 سنوات)
ـ د. محمد طارق إبراهيم ـ قضية اغتيال السادات ـ (مؤبد)
ـ حامد الشربينى (9 سنوات)
ـ صلاح عيد ـ رجل أعمال ـ (7 سنوات)
ـ محمود رشيدى ـ محاسب (10 سنوات)
ـ منصور عبدالرحمن ـ تاجر ـ (10 سنوات)
ـ هيثم محفوظ ـ جندى ـ (3 سنوات)
ـ ربيع محمد ـ جندى ـ (3 سنوات).
- 9 -
السجن - عالم من الإثارة.. والمرارة.. والمفارقات الباكية
- آلام،وآمال، وحكايات فى قصص محمود الرشيدى وطارق إبراهيم وياسر سعودى
- إخوان مسلمون، وجماعات إسلامية، ومحكومون فى قضايا متنوعة، تضمهم عنابر السجن والمستشفى
- ممارسة الرياضة عادة يومية.. والسجائر هى العملة الرائجة.. والمجلات 'بالإيجار' اليومى.
- مصطفى بكرى أول من ينام، وأول من يستيقظ، ولا يفارق المذياع الصغير لسماع الأخبار أولاً بأول
- قصة 'ماتش الكرة' الذى أصابنى بسبع غزر فى وجهى
- والدتنا رأتنا فى المنام محبوسين ليلة القبض علينا .. وأخفينا عنها الخبر 11 يومًا
- المسجونون السياسيون يشيدون بتطور السجون.. ويقدرون جهود العادلى واللواء سلامة
- المسجونون يناشدون الجهات المختصة مراجعة نظام الترحيلات اللاإنسانى
- إدارة السجن تمنت احتجاز الأبنودى لقفشاته الضاحكة .. وشائعة انطلقت باعتقال حمدى قنديل حين جاء لزيارتنا
- بصمات خاصة فى زيارات اللواءات منصور العيسوى وعبدالفتاح عمر ورفعت دنقل
- كنت أقرأ عن التائب أحمد راشد الذى ملأ الدنيا ضجيجًا، ثم اكتشفت أنه بائع الزبادى الذى يأتينا به كل مساء
فى عالم السجن.. تكثر الحكايات.. وتتناثر الروايات.. وحين رحنا أنا وشقيقى مصطفى ننصت لبعض أطراف حكايات المسجونين، تصورنا لبرهة من الوقت أن كل من اسمتعنا إليهم 'أبرياء'.. فهكذا راح كل من نسمع منه يصور الأمر من وجهة نظره ليؤسس موقفا يمنحه ولو براءة شكلية أمام رفاق السجن.
وبقدر تنوع الحكايات، وفصولها الدرامية، ومأساويتها.. بقدر ما يحمل عالم ما داخل السجن مؤشرات لأناس جاءوا إلى السجن.. لا لجريمة ارتكبوها.. بل لأن آخرين أكثر خبرة فى أمور النصب نجحوا فى دفعهم خلف الأسوار، بعد أن حاصروهم بأدلة كانت سند المحاكم فى إدانتهم.
ومن بين الحكايات التى لا تنتهى تأثرت شخصيًا بحكاية المحاسب محمود محمد الرشيدى الذى يقضى عقوبة السجن 10 سنوات بتهمة تزوير رخصة.. فقد أوقع به فى كمين أفضى إلى سجنه.. وقد قضى أكثر من 5 سنوات من العقوبة المحكوم بها عليه.. ولأنه يشعر ــ كما تعبر عن ذلك انفعالاته ودموعه التى لا تنتهى ـ بظلم مرير، فقد راح يقص حكايته بمرارة تكسو ملامحها كل حرف ينطق به.. وكأن إرادة الله أرادت أن تنصفه بعد كل هذه المدة خلف الأسوار.. فقد ظهرت مستجدات فى قضيته يمكن إذا ما أخذت مسارها الطبيعى أن ترفع عنه بعض ما يعانيه من آلام لا تهدأ.
وحكاية محمود الرشيدى ليست الوحيدة، فهناك من المآسى ما يؤكد لنا المثل الشعبى الذى يقول حقاً: 'ياما فى السجن مظاليم'.
وفى السجن فرصة لتسمع مباشرة للكثير من المحكومين فى قضايا كانت مثار جدل فى الإعلام لسنوات طويلة.. وها هم أطرافها المباشرون يقصون عليك الوجه الآخر من الحقيقة.. فالدكتور محمد طارق إبراهيم أحد المتهمين فى قضية اغتيال السادات والمسجون منذ اثنين وعشرين عامًا يحكى لك بلغة بالغة الإثارة كيف تمت عملية اغتيال الرئيس السابق، وكيف تعامل المتهمون مع الضباط والمحاكم المختلفة وكيف تبدلت الأحوال فى السجون منذ أوائل الثمانينيات وحتى اليوم.. ورجل الأعمال ياسر سعودى يروى بألم كيف أنه قضى عقوبة السجن ثلاث سنوات فيما سمى بقضية نواب القروض، وهى المدة التى حكم عليه بها سابقاً.. وحين أعيدت المحاكمة ذهب وهو لا يخالجه أدنى شك فى تأكيد ذات الحكم، وهو ما يعنى خروجه فورًا لقضائه العقوبة المقررة.. ولكن الحكم جاء على غير ما يشتهى.. فقد ارتفع الحكم من ثلاث سنوات إلى اثنتى عشرة سنة.. وفؤاد عبدالمنعم هجرس عضو مجلس الشعب السابق يروى بتسلسل منطقى، وبلغة يملك ناصيتها وقائع خافية فى قضايا شغلت بال المجتمع المصرى لفترة طويلة.
يتنوع المتهمون فى سجن مزرعة طرة بتنوع قضاياهم.. ففى عنبر (3) يتواجد عدد لا بأس به من المحكوم عليهم بأحكام تتراوح ما بين 3 و 5 سنوات من جماعة الإخوان المسلمين، فيما يخضع للتحقيق عدد آخر يتقدمهم الدكتور إبراهيم الزعفرانى أمين عام نقابة الأطباء بالإسكندرية.. أما الجماعات الإسلامية من مختلف التيارات 'جماعة إسلامية أو تنظيم الجهاد' أو غير ذلك فيكتظ بهم عنبر (3) و(4) أما ضباط الشرطة المحكومون فقد خصص لهم عنبر (5).. فيما تم توزيع بعض الشخصيات المضبوطين فى قضايا مختلفة على كل هذه العنابر، وخاصة عنبر (4).. أما من عرفوا باسم نواب القروض، فقد أودع أغلبهم فى عنبر (4)، وبعضهم الآخر فى مستشفى السجن.
الظاهرة اللافتة للنظر فى عالم السجن تكمن فى حرص المسجونين على ممارسة الرياضة يوميًا حرصًا على أجسادهم من التكلس جراء الفترات الطويلة التى يقضونها داخل الزنزانة.. وما أن يفتح الصول مفتاح والصول حبشى أبواب العنابر حتى ينطلق المسجونون عند السابعة والنصف صباحًا لممارسة التمرينات الرياضية والجرى لفترة محدودة من الوقت قبل أن يعودوا إلى زنازينهم مرة أخرى.. ومنذ اليوم الأول لإيداعنا سجن مزرعة طرة حرصنا أنا ومصطفى على ممارسة رياضة المشى بشكل يومى، ثم ما لبث أن تطورت إلى الجرى وممارسة التمرينات، ثم قفزت إلى ممارسة الرياضة، كنا نبدأ طابورنا الرياضى فى نحو السابعة والنصف.. كان من المعتاد أن يستيقظ مصطفى مبكرًا كعادته فى نحو الخامسة صباحا، حيث يتصفح بعض الكتب التى معه، ويستمع لآخر التطورات من المذياع الصغير الذى جاءه هدية من العميد محسن رمضان.. وحين يفتح باب العنبر أكون بصحبته أول الخارجين من عنبر المستشفى لممارسة الرياضة اليومية.
وقدكنا على موعد مع القدر يوم الأربعاء 18 يونيو، فبينما كنا نتدرب على لعب الكرة أنا ومصطفى ومعنا رجل الأعمال إيهاب برعى والمحامى أحمد الهندى.. وبينما كنت أحاول شق طريقى بالكرة بسرعة كبيرة انزلقت قدمى بشكل غير متوقع، ووجدت نفسى طائرا فى الهواء، ثم ما لبث أن سقطت على وجهى بشكل مثير.
كان شقيقى مصطفى هو الأقرب إلى مكان سقوطى، وما أن شاهد وجهى مخضبًا بالدماء حتى راح يبدى انزعاجه الشديد، مطالبًا بسرعة
- 10 -
نقلى إلى أى مستشفى خارج السجن، خاصة بعد أن تبين أن جرحًا فى الجهة اليمنى من الوجه بجوار العين اليمنى يحتاج إلى 'خياطة'.
فى تلك اللحظات تجمع حولى كل من كانوا قريبين منى، حيث انهمكن طارق إبراهيم المسجون فى قضية السادات، فى وضع الكمادات المثلجة حتى لا تتورم المنطقة المحيطة بالعين، وتم استدعاء أحد المسجونين من التيار الإسلامى وهو جراح يدعى 'د. سعد' قبل أن يتم استدعاء أحد كبار جراحى السجن وهو الدكتور هانى إسكندر، الذى وصل فى وقت قياسى، حيث أجرى سبع غرز للجرح بمهارة كبيرة.
فى هذه الأثناء.. تم ابلاغ إدارة السجن بما حدث، فتم على الفور انتقال ضباط الإدارة لمتابعة الواقعة، فلم تمض دقائق حتى وصل الرائد شيرين رئيس المباحث، وتبعه العميد سمير عبدالغفار مأمور السجن، ثم المقدم محمود البساطى ضابط المباحث بالمنطقة.
كنا نعرف أن والدتنا سوف تزورنا فى هذا اليوم.. وكان توقعنا بأن رؤيتها لى والضمادات فوق وجهى سوف تزيدها تعبًا على تعبها.. لذا ا ستغل مصطفى وجود أحد الشخصيات الزائرة للسجن، فطلب منه الاتصال بزوجته، وإبلاغها بالتصرف بأية طريقة ومنع الوالدة من زيارتنا بالسجن اليوم، طالبًا منه توضيح صورة ما حدث لزوجته، وطمأنتهم أن المسألة بسيطة.
كان هدفنا من وراء هذا التصرف هو إبعاد والدتنا عن المزيد من المتاعب الصحية التى بدأت تتزايد عليها فى تلك الأيام.. ففى كل أزمة نتعرض لها تدفع هى ثمنها من صحتها، وفى الأزمة الأخيرة كان الثمن مضاعفاً..
لقد تعودنا منذ زمن طويل أن يكون أحد واجباتنا الأساسية اليومية هو الاتصال بوالدتنا حيث تقيم فى منزل العائلة بقنا، لطمأنتها، خاصة أن الأزمات المتعددة التى مررنا بها فى مسار نضالنا، وفى مشوارنا أصابتها بهاجس دائم من القلق.. فغيابنا عن الاتصال بها، ولو ليوم واحد تفسره بالشىء غير الطبيعى، الذى إما أن يكون مرضًا، أو سفرًا لمكان خطر، أو حبسًا فى معاركنا الصحفية الممتدة.. ومن المثير أنها تمتلك شفافية غريبة، تكشف من خلالها رؤية قريبة لما نتعرض له دون أن نبلغها بذلك.
ففى بدايات هذا العام كان شقيقنا 'أحمد' يجرى عملية لزرع الكلى فى مستشفى وادى النيل.. وقد قررنا جميعًا ــ كما هى العادة ــ أن نخفى عنها الخبر لحين شفائه.. ولكن حين رحنا نحادثها بالتليفون لإعطائها مزيدًا من التطمينات صباح هذا اليوم، فوجئنا بها تسأل عن 'أحمد' وحين تساءلنا عن سبب هذ السؤال الخاص الملح.. قالت إنها حلمت الليلة السابقة أنه متواجد على سرير أبيض بملابس بيضاء، وأن اثنى عشر شخصًا يحيطون به.. وكانت المفاجأة حين سألنا عن عدد الأطباء والمساعدين الذين أجروا العملية أن علمنا أنهم نحو هذو العدد من جراحين وأطباء تخدير ومساعدين وغيرهم.
وحين تم القبض علينا فى الثانى من يونيو الماضى فى قضية النشر، وعند نحو الثامنة صباحًا، وبينما كانت اجراءات تنفيذ الحكم تتواصل فى قسم حدائق القبة، حاولنا طمأنتها عبر تليفون شقيقنا عبدالحميد الذى جاء لزيارتنا.. وبينما كان شقيقى مصطفى يحدثها لطمأنتها، خاصة أننا لم نكن نعرف متى سنراها مرة أخرى.. جاءه صوتها حزيناً وحائرًا ــ كما روى لى ــ وسألته عما حدث له ولى، وحين طمأنها بأن لا شىء قد حدث.. قالت له فى لغة صارمة: 'لقد حلمت الليلة أنك ومحمود نائمان على سريرين بجوار بعضكما، وأنكما محجوزان، وفى ضيقة'.
حتى هذه اللحظات لم نكن ندرى أين سيكون محبسنا، ولكن حين أودعنا سجن مزرعة طرة، كانت المفاجأة هى أن هناك بالفعل سريرين متجاورين خصصا لنا فى عنبر المستشفى بالسجن.
وبقد تزايد يقيننا يومًا بعد يوم، وأزمة بعد أزمة بشفافية والدتنا المثيرة، بقدر ما كان حرصنا على إبعادها عن همومنا المتتالية أمرًا نتشارك فيه جميعًا كأشقاء، سواء المقيمون فى القاهرة 'مصطفى وأنا وعبدالحميد والقاضى جمال بكرى' أو المقيمون فى بلدتنا 'المعنى' بقنا 'أحمد وناصر وشقيقتانا اللتان تتحملان العبء الأكبر فى إحاطة الوالدة، ومحاصرتها خلال فترات الأزمات، حتى لا تصلها الأخبار السيئة'.
مثل هذا الحرص هو الذى دفعنا فى أزمة حبسنا الأخيرة لأن نخفى عنها الخبر 'رسميًا' وظلت ورغم يقينها الداخلى تجهل تحديدًا ما الذى جرى لنا، حتى كان اليوم الحادى عشر من سجننا، حيث رأينا فى اطمئنانها علينا ونحن داخل السجن، أفضل كثيرًا من تركها أسيرة لمشاعرها المتضاربة، خاصة بعد أن انقطعنا عنها تمامًا.. ولم يعد ثمة اتصال بيننا وبينها.
فى يوم الخميس 12 يونيو، وهو اليوم الحادى عشر لحبسنا، أرسلت إلينا إدارة السجن عند نحو العاشرة والربع صباحًا لوجود زيارة لنا.. على الفور توجهنا إلى مبنى الإدارة.. وكانت المفاجأة أن وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع والدتنا.. كنا نرتدى ملابس السجن الزرقاء.. وكان المنظر وحده كفيلاً ببعث الأسى فى نفس والدتنا التى كانت غارقة فى بكاء مرير.. فقد جاءت قبل لحظات فقط بعد وصولها من البلد بنحو الساعة، وكان بصحبتها شقيقنا أحمد وشقيقتانا وشقيقنا الأصغر ناصر.
رغم كل محاولاتنا لطمأنتها، إلا أن قلبها لم يستقر إلا حين تقدم منها مأمور السجن العميد سمير عبدالغفار ليسلم عليها ويطمئنها فى
- 11 -
تصرف إنسانى نبيل أقدم عليه أعاد لوالدتنا إحساسًا بالأمان كانت تفتقده منذ علمت أننا مودعان فى سجن طرة الذى يبعث على الرعب وفق مفاهيم آبائنا وأمهاتنا، أكثر مما يبعث على الارتياح.
كانت المعاملة الإنسانية داخل السجن التى لمستها والدتنا، وأفراد أسرتينا خلال زياراتهم لنا هى نتاج ومحصلة سياسة فريدة يقودها السيد/حبيب العادلى وزير الداخلية.. وهى سياسة وضعت السجون الآن فى مرحلة مختلفة تماما عما كان فى السابق.. فالسجين يعامل بما يليق بآدميته فى غالبية السجون المصرية.. بل وامتدت هذه المعاملة بشكل إيجابى وبناء فى التعامل السياسى مع المسجونين فى القضايا السياسية، خاصة من الجماعات الإسلامية المختلفة، والذين استمعنا للعشرات منهم يشيدون بالأداء الأمنى بالغ الذكاء الذى يقوده اللواء صلاح سلامة مساعد الوزير لقطاع أمن الدولة، والذى كان له أبلغ الأثر على استقرار الأوضاع الأمنية فى البلاد على مدار سنوات طويلة مضت.
وفى هذا تبدو القضية الأساسية التى تشغل عناصر الجماعات الإسلامية ممن أجروا مراجعة تامة لأفكارهم وأصبح غالبيتهم يسمون بالتائبين، وخاصة أولئك الذين قضوا سنوات طوالاً خلف الأسوار هو أن تبادر الدولة المصرية، وبعد أن استقرت الأوضاع، وتبددت الأفكار السابقة فى أن تطلق سراحهم، حتى يقضو ما تبقى لهم من عمر بين ذويهم وأفراد أسرهم الذين حرموا منهم طويلاً. هذه السياسة الجديدة فى قضية التعامل مع السجون، والمسجونين كانت الدافع الاساسى وراء القرار الذى أعلنه السيد حبيب العادلى وزير الداخلية بالتحقيق مع عدد من ضباط مباحث تنفيذ الأحكام لقيامهم بتنفيذ أمر القبض علينا فجرًا، وهو ما يتعارض مع الدواعى الاجتماعية والإنسانية التى أكد عليها وزير الداخلية.
وتمثلت هذه السياسة أيضا فى انتقاء نوعية معينة من الضباط لإدارة السجون، حيث يدير منطقة سجون ومزرعة طرة عدد من الضباط الذين يتمتعون بوعى ثقافى وفكرى رفيع المستوى، فالعميد محسن رمضان والمقدم محمد العشماوى من ضباط أمن الدولة المتمرسين على إدارة الحوارات السياسية والفكرية، وضباط إدارة السجن يمتلكون وعيًا ثقافيًا وسياسيا عاليايبدو أنه كان الحافز لاختيارهم للتعامل مع هذه النوعية من المسجونين.
لقد تجلى ذلك بوضوح حين قام الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى بزيارتنا فى السجن، حيث جلس لفترة من الوقت مع ضباط الإدارة الذين أداروا معه حوارًا مثيرًا حوله الأبنودى بروحه المرحة، وخفة ظله إلى حوار 'قفشات' يجيد الإمساك بها بشكل مثير.. حتى أن الضباط كانوا يتمنون لوأن الأبنودى سجين لكان أضفى على جو السجن حالة من الكوميديا المفقودة.
أما الإعلامى القدير حمدى قنديل، فحين جاء لزيارتنا خلف وراءه تساؤلات حائرة وسط جمهور المسجونين.. حيث يبدو أن عملية منع برنامجه 'رئيس التحرير' من التليفزيون المصرى، وضعته فى خانة 'المغضوب عليهم' والمؤهلين لدخول السجن.. ففى مساء زيارته وبينما كنت اتجاذب أطراف الحديث مع بعض المسجونين ومنهم هشام محمود عبدالعزيز ومحمد يوسف مدنى، تطرق الحديث إلى حمدى قنديل إلى سجن المزرعة.. وحين رحت استغرب هذا السؤال، وأقول له إن حمدى قنديل وبرنامجه الشهير الممنوع راح هشام يسألنى عن التهمة التى جاء من أجلها حمدى قنديل جاء فقط لزيارتنا، ولم يأت متهما أو مقبوضا عليه.. راح يقول لى 'أنت كده فسرت لى الموقف لقد انشغل السجن طوال النهار بترديد شائعة أن حمدى قنديل جاء مقبوضا عليه، وأن الحيرة التى تتملك جميع المسجونين هى أن أحدًا لا يعرف العنبر الذى أودع فيه'.
كان ترديد هذه الاشاعة فى حد ذاته، هو تأكيد أن عالم السجن، وبرغم كل ما به، يتفاعل مع ما يدور فى الخارج.. ويعتبر أن احتمالات القبض على المخالفين فى الرأى، أو أصحاب المواقف هو أمر وارد فى كل لحظة وحين، بالرغم من أن الأمر بالنسبة لنا كان يتعلق بتنفيذ حكم قضائى.
ومن الأمور المثيرة التى عشناها خلال فترة السجن أن عددًا من القيادات السابقة فى الأجهزة الأمنية كان لهم وقعهم الخاص خلال زيارتهم لنا فالعميد سمير عبدالغفار مأمور سجن المزرعة عمل ضابطا فى فترة تولى اللواء محمد عبدالفتاح عمر موقع مدير أمن الغربية، حيث كان احتفاء المأمور باللواء عبدالفتاح خلال زيارتنا بالسجن واضحا.. أما اللواء منصور العيسوى مدير أمن القاهرة ومحافظ المنيا الأسبق فعدد لا بأس به من الضباط عملوا تحت إمرته.. أما فاكهة الزيارات فتمثلت فى اللواء رفعت دنقل حكمدار فرق الأمن الأسبق، والذى تصادف أنه يعرف عددا من ضباط السجن بالاسم، ولايزال يذكرهم بدقة منذ أن عملوا معه.. وكان لوقع 'تخريجاته' التى يتمتع بها ناهيك عن روح الدعابة التى تكسو شخصيته أثرها فى رسم البسمة فوق شفاه من شاهدوه فى تلك اللحظات.
فى حياة السجن صور مثيرة لحياة وفقت أوضاعها خلف الأسوار.. ووضعت أسس تواصلها لفترات تمتد من الحكم لمدة سنة وحتى السجن المؤبد، حيث يقضى الإنسان حياته أو ما تبقى له داخل جدران السجن لا يبرحه إلا لسبب قهرى، كالعلاج فى مستشفى المنيل الجامعى، أو لحضور احدى جلسات المحاكم أو للتحقيق أمام النيابات بالنسبة لمن هم رهن التحقيق، أو لحضور جلسة نقض لمن صدرت فى شأنهم أحكام باتة.
- 12 -
وعلى الرغم من رضاء المساجين عامة على المتغيرات والتطورات التى شهدتها السجون المصرية، والتى أعادت للإنسان الشعور بكرامته فى محنة السجن، إلا أن عملية ترحيل المساجين، سواء إلى المحاكم أو النيابات أو غيرها مما يتطلب خروج المتهمين أو المحكومين تتطلب وقفة خاصة. فسيارات الترحيلات التى تحمل المساجين تفتقد للمقومات الإنسانية الأساسية، حيث يجرى تكديس المساجين بأعداد تفوق كثيرًا قدرة سيارة الترحيلات على الاستيعاب، ناهيك عن خلوها من أية مقاعد أو دكك يمكن أن يستريح فوقها من هم من المرضى أو كبار السن، اضافة إلى أن سيارة الترحيلات الواحدة تنقل المساجين من عدة سجون مختلفة، فى وقت واحد، وتنتقل بهم إلى عدة نيابات ومحاكم حيث يتطلب ذلك لمن هو ذاهب للعلاج بالمستشفى مثلا انتظار كل الوقت الذى سيقضيه الآخرون فى النيابات والمحاكم.
ومن المشكلات التى تثيرها سيارة الترحيلات بالاضافة لكل ذلك، هو ما يتحمله المسجونون من متاعب إذا ما قدر للسيارة أن تتعطل فى الطريق، وقد حكى لنا أحد المحكومين فى سجن المزرعة أنه ومن معه كانوا سيقضون أجلهم بسبب الحر حين تعطلت بهم السيارة على طريق الأوتوستراد وهى فى طريقها لحوان لنقل بعض المتهمين.. حيث استغرقت عملية اصلاحها ما يقارب الساعتين، قضاها السجناء بأعدادهم الكبيرة فى صندوق السيارة الملتهب والمغلق من الخارج، والتى شاء القدر أن تتعطل فى عز الحر، وفى أجواء خانقة للغاية.. ولقد طلب منا الكثيرون ممن يعانون مشكلة الترحيلات تلك أن نرفع أصواتهم مناشدين السيد وزير الداخلية والذى أعاد للمسجون اعتباره وكرامته داخل السجن أن يمد هذا الاعتبار وتلك الكرامة إلى عمليات الترحيل التى تشكل عاملا مرهقا ومؤلما للمسجونين المختلفين.
وإذا كانت مشقة الترحيلات تشكل قلقا متواصلا لمن يعانون آثارها، فإن الحياة داخل السجون المصرية تسير وفق نظام إدارى دقيق ومحكم.. فمنذ وصولك لباب السجن تخضع لاجراءات ولوائح مختلفة عن تلك التى تعيشها فى الخارج.. وحين دخلنا سجن المزرعة كان أول اجراء اتخذ معنا هو تجريدنا من ملابسنا المدنية وارتداء الملابس الزرقاء المخصصة للمحكومين وتلا ذلك تجريدنا مما معنا من أموال، حيث أودع جزء منها أمانات السجن، فيما تم تسليم جزء آخر لأصحاب الكافيتريا والبقالة الداخلية للسجن والتى يتولاها المسجونان 'صبرة' و'مقبولى' وكلايهما من عناصر الجماعات الإسلامية سابقا.. على أن يترك لك قضاء مصالحك داخل السجن من مأكل ومشرب وملبس بالسحب على تلك الأمانات.. أما وسيلة التعامل بين المسجونين فى الداخل فتعد السجائر هنا هى العملة الأساسية الرائجة التى تحقق كل الأهداف، وتنجز المطالب الضرورية.
وعلى الرغم من أن ان الزى الرسمى هو 'بدلة السجن' الزرقاء التى تمنحها الإدارة إلا أن الغالبية العظمى من المسجونين تعتمد فى انتقاء ملابسها الزرقاء بتدرجاتها المختلفة على ترزى السجن عمرو ابراهيم المحكوم عليه بالمؤبد فى محاولة اغتيال نجيب محفوظ حيث يستطيع فى لحظات أن يوفر لك ما تشاء من قمصان أو بنطلونات أو تى شيرتات متقيدا فى ذلك باللون الأزرق المحدد للمحكومين كما يتولى والطاقم المعاون معه كى ملابس المسجونين التى تقوم على شأن تنظيفها مغلستان كبيرتان يتولى إدارتهما عدد من المحكومين فى قضايا الجماعات الإسلامية.
ولأن السجن أصبح مؤسسة متكاملة للاكتفاء الذاتى، فيمكنك انتقاء 'الشوز' الذى يناسبك من المسجون هشام محمود عبدالعزيز الذى يدير ورشة لتصنيع الأحذية، وإذا أردت منضدة للطعام أو القراءة، أو كرسيا للجلوس عليه فعليك بأحمد سليم صاحب ورشة الموبيليا داخل السجن.. وإذا أصاب نظارتك سوء فعليك بالسجين أحمد إمام لإصلاحها.. أما الشيخ صلاح فهو بارع فى تصميم البراويز التى يمكن أن تستغلها كهدايا للمقربين منك.. وقد اشترينا منه بروازًا انيقاً دفعنا فيه خمسين جنيها بعد أن أكرمنا فى سعره وخصم لنا خمسة وعشرين جنيها حين حلت مناسبة عيد ميلاد نجلى 'خالد'الذى لم استطع أن أتجاهل مناسبة عيد ميلاده تمر دون الاحتفاء به، كما هو حال كل عام.. حيث أقمنا له أنا وعمه مصطفى حفلاً قدمنا له خلاله هدايا من صنع ورش السجن.
ومن عادات السجن أن تؤجر درجا أو اكثر من الثلاجات التى يملكها المسجونون بمبالغ متفق عليها، حيث تستطيع أن تحفظ فيها زجاجات المياه المثلجة، والعصائر، والمأكولات الزائدة.. التى تأتيك كمياتها المحددة يوميا وفقا للنظام المتفق عليه مع صاحب الثلاجة نظير أجر شهرى.
وفى سجون اليوم يمكنك أن تدفع اشتراكا شهريا حتى تصلك الصحف التى تطلبها بانتظام، خاصة الحكومية منها، ويعرف السجن بالاضافة لذلك نظام تأجير المجلات المتخصصة، حيث يمر عليك كل يوم أحد المسجونين حاملا كمية لا بأس بها من المجلات التى يؤجرها لقراءتها لمدة يوم واحد، ثم يستردها زهاء مبلغ معلوم فى اليوم التالى، على أن يخصم المبلغ من الأمانات مع نهاية كل شهر. ومن المفارقات التى شهدتها فى سجن المزرعة أننى ظللت أقرأ كتبا ومقالات حول مراجعات الجماعة الإسلامية وقضية التائبين.. وتوقفت فى قراءاتى الصحفية عند المحكوم عليه أحمد راشد الذى كان قد أعلن توبته قبيل بضع سنوات، وتحول إلى نجم تليفزيونى بعد أن كشف علاقاته السابقة بالجماعات الإسلامية وأوكارهم، وأفردت له الصحف والمجلات المختلفة صفحات مطولة للحديث عن تجربته فى صفوف الجماعات الإسلامية.
كان الحديث يشغلنى عن هذا المحكوم الذى تساءلت عن مصيره وتوقعت الافراج عنه وأين هو الآن.. ولكم كانت الإجابة مثيرة لى حين علمت أن أحمد راشد الذى اسأل عنه هو بائع الزبادى الذى يأتينا بها فى نحو الخامسة من مساء كل يوم، وقبل أن يغلق عنبر المستشفى أبوابه.
حين تغرب الشمس.. وتغرق المنطقة فى الظلام.،. وما أن يقترب الليل من منتصفه حتى يعم السكون منطقة السجن.. فى هذا الوقت تترامى إلى مسامعك من بعيد أصوات العساكر المنطلقة من أبراج الحراسة المحيطة بالسجن.. كل يصرخ فى البرية معلناً أنه 'تمام' أى يقظ فيما يرد عليه زميله الذى فى البرج الآخر، ثم الذى يليه.. وهكذا تتواصل الأصوات فى عتمة الليل.،. حيث تلقى بأصدائها فوق أجواء المنطقة المكتظة بالسجون.. وتظل تصدح حتى تسطع أشعة يوم جديد. وتتعالى نسمات صبح جديد فى عالم ما خلف الأسوار.
- 13 -
مفارقات مثيرة .. وعالم من الغرائب .. والحكايات الخلابة
من عجائب القدر: مصطفى بكرى وماهر الجندى يتبادلان نفس السرير فى عنبر المستشفى
الأستاذ هيكل تابع قضيتنا لحظة بلحظة.. ومكتبه عرض خدماته الكاملة على أسرتينا
إبراهيم نافع أدار الأزمة بامتياز.. وسامح عاشور كان يجرى الاتصالات من المغرب لمعرفة تطوراتها
وحيد حامد زارنا يوم فوزه بالتقديرية .. ولم نعرف بالخبر إلا بعد مغادرته
طابور الصباح الرياضى حال دون مقابلتى للفنانة سناء يونس .. وتأهبنا للقاء الشاعر الكبير فاروق جويدة لمدة يومين
زيارة مثيرة للواء سفير نور ود.نبيه العلقامى ومؤلف أغنية 'بابا فين'
الوقفة البطولية للصحفيين تجسدت فى زيارات من كل الصحف والمؤسسات والنقابة
لواء نبيل لوقا بباوى جاءنا بمؤلفاته ووزعها على إدارة السجن .. ووفد من قنا برئاسة د.أنور رسلان أوفده فكرى مكرم عبيد
محامون وفنانون ومثقفون كان لوقفتهم أثرها الفاعل فى نفوسنا
شاهد يروى لنا قصة الساعات التى سبقت وفاة محمود نور الدين داخل سجن المزرعة
فى عالم السجن يكتسب كل سجين سمات خاصة به .. تتجسد ملامحها فى تصرفات وسلوكيات تعكس الطابع الخاص لشخصيته .. وكلما طال أمد السجن .. تبينت الملامح الخاصة لشخصية السجين، وتكشفت كل تفاصيلها العميقة.
بعض من يتأقلمون مع عالم السجن تبدو تصرفاتهم انعكاسًا لما يعيشونه من حياة يومية .. وبعض الرافضين لواقع السجن تبرز سلوكياتهم رافضة، وممتعضة .. وغير قادرة على التجاوب مع متطلبات حياة ما خلف الأسوار.
المهندس أحمد البندارى الذى يقضى عقوبة السجن فى مستشفى المزرعة هو نموذج لمن اندمج مع حياة السجن .. فتراه دائمًا 'ابن نكتة' لا يتوانى عن الضحك فى اكثر المواقف صعوبة .. يصحو مبكرًا كل يوم، ويعشق سهر الليالى .. فيما يقضى غالبية نهاره أسيرًا للنوم .. وقد اتخذ البندارى لنفسه موقعًا متميزًا فى أحد أركان عنبر (أ) بالمستشفى، وحوله إلى ما يشبه الجمهورية المستقلة التى يقضى فيها فترة عقوبته .. وقد لا يسمعك حين تمر من أمامه ملقيًا عليه السلام، حيث وضع سماعات الراديو فى أذنيه، ولم يعد يسمع سوى أم كلثوم وهى تشدو، أو عبدالحليم حافظ وهو يغنى.
وبرغم حياة السجن التى تتطلب شظف العيش، إلا أن البندارى يصمم على أن يعيش حياته، فتراه لا يشرب إلا سجائر المارلبورو، ويأكل وفق نظام غذائى خاص به .. ويمتلك صراحة فى النقاش والحوار غير معهودة، فهو لا يخجل أبدًا من مواجهة أى شخص بأخطائه، مهما يكن مركزه، وأيا كانت النتائج.
وقد تعرضت لموقف غريب مع البندارى .. فحين دخلنا إلى عنبر المستشفى بالسجن أنا ومصطفى، كان البندارى من أوائل المسجونين الذين جاءوا للترحيب بنا ليلة وصولنا .. وقد رأيت فيه رجلاً كهلاً يشارف الثمانين من عمره .. فقد أطلق شاربه، ولحيته البيضاء التى امتدت إلى صدره .. هكذا عرفناه منذ يوم دخولنا السجن .. إلا أنه وبعد مضى أكثر من أسبوعين، وبينما كنا عائدين من طابور الرياضة الصباحى، فوجئت بشخص ذى ملامح غريبة يتجول فى العنبر المسجونين فيه .. وهو أمر غير معتاد .. وحين أبديت دهشتى لهذا الغريب الذى توقعته سجينًا جديدًا حل اليوم على السجن .. فأجأنى شقيقى مصطفى بالقول: 'دا .. المهندس أحمد البندارى .. وحين سألته: كيف عرفت؟ أجاب: من شبشبه الذى يرتديه فى قدمه، أما رامى إلياس سياج ـ رجل الأعمال ـ وأحد أصحاب فندق سياج بيراميدز الكائن بمنطقة الهرم .. فيبدو أنه لم يتعود على طريقة الأكل بالسجن .. فعند المواعيد المحددة لتناول وجباته الغذائية، تجده وقد أعد المائدة الخاصة به إعدادًا جيدًا .. وأعد معه مشهياتها من كاتشاب، وبهارات، وغير ذلك، ولا يأكل إلا وبيده الشوكة والسكينة 'البلاستيك' حيث يضفى على نظام أكله ذات أجواء حياة الفنادق والعالم الخارجى.
- 14 -
أما حامد الشربينى والذى يوجد فى عنبر (ب) بالمستشفى، فتشعر وأنت تحاوره، أو تسمع منه، وكأنك أمام شخص مطلع على كل العالم الخفى للدنيا .. وهو يروى بتلقائية بعض المحطات المثيرة فى حياته، وكيف تعرض لمآزق شتى .. غير أنه نجح فى اجتيازها بسهولة .. مستخدمًا قدراته الهائلة فى إقناع الآخرين بغير الحقيقة.
ومن المواقف الطريفة التى تعرض لها حامد الشربينى، وراح يقصها علينا بتلقائية شديدة هذا الموقف الذى تعرض له يوم صدر أمر بحبسه من المحكمة المختصة .. فقد أضمر فى نفسه الهرب من داخل المحكمة .. وحين فوجىء بالحكم الذى يبدو أنه كان يتوقعه .. صور الأمر لجنود الحراسة، وكأنه حصل على البراءة، حيث راح يوزع عليهم الإكراميات، قائلاً لهم: 'شربات البراءة' واتجه بثقة يحسد عليها إلى سيارة كانت تنتظره على مقربة، حيث انطلق بها بعيدًا مختفيًا وسط الزحام فى لحظة خيم فيها الذهول على كل من كانوا يعلمون بإدانته وسجنه.
وإذا كانت السجون تستضيف أناسًا يتسم بعضهم بالفظاظة والعنف، بيد أنها وعلى الجانب الآخر تضم فى جنباتها من هم فى قمة الرقة .. فالمهندس أحمد رياض والمسجون لاتهامه فى قضية مخالفات المبانى بعمارة 'ويصا' الشهيرة، والتى سقطت فى مصر الجديدة قبيل سنوات يعيش جل وقته فى السجن لمتابعة شئون وحياة المواليد الصغار الذين تنجبهم القطط، والتى تتكاثر بشكل مثير داخل عالم السجن، أما ضابط الشرطة السابق ناجى أبو المعاطى فتجده يقف فى معظم الليالى خلف باب عنبر المستشفى المغلق، ويبدأ فى إطعام القطط التى ما إن تشم رائحة اللحم الذى يلقى إليها خارج الباب حتى تأتى مهرولة من كافة أرجاء السجن لتستمتع بوجبة شهية من اللحوم.
والملاحظ داخل السجن أن كل فرد سجين، أو مجموعة قد وطنوا أنفسهم على قضاء العقوبة، أو انتظار الفرج بشكل منظم ودقيق، فحين نستيقظ فى الصباح الباكر كنا نشاهد الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل غارقًا فى الكتابة، وحين سأله مصطفى فى إحدى المرات عما يكتب، قال إنه يدون مذكراته منذ التحاقه بتنظيم الضباط الأحرار، وحتى دخوله السجن، وأنه يأمل فى إصدارها فى ثلاثة كتب مستقلة .. أما الوزير د.محيى الدين الغريب، فيبدو وهو يرتدى نظارة القراءة ويراجع بعض الأوراق، وكأنه يدير عمله فى مكتبه .. وحين تابعنا ما كان يشغله خلال فترة حبسنا، علمنا أنه منكب على دراسة حيثيات الحكم الأخير ضده بالسجن استعدادًا للطعن عليه بالنقض .. أما المحامى أحمد الهندى، والذى تربطه علاقات واسعة خارج السجن بالعديد من الشخصيات المهمة .. فيتسم بالنظام والانضباط الشديدين .. وتجده دومًا وقد أعد ملفاته بشكل مرتب .. فيما تتزايد لديه الثقة أن الأيام ستكشف براءته، وسيخرج من السجن عائدًا إلى عالم ما خارجه قريبًا.
ومن المفارقات الطريفة فى عالم السجن هو ما روى لنا من حكايات عن ماهر الجندى محافظ الجيزة السابق .. والذى كان مودعًا بنفس العنبر الذى أودعنا فيه .. فقد روى لنا البعض كيف كان يذرف الدموع لعدم تعوده على حياة السجن .. وقد كان من مفارقات القدر أن شقيقى مصطفى، والذى كان الزميل مجدى شندى أول من نشر التحقيقات فى قضية ماهر الجندى، والتى كان نشرها سببًا فى وصوله للسجن احتل ذات السرير الذى كان يقيم عليه الجندى خلال وجوده بعنبر المستشفى بالسجن، وقبل الإفراج عنه بعد أن قررت محكمة النقض إعادة محاكمته.
وخلال وجودنا بالسجن .. وبينما كانت المحكمة تعيد محاكمته سرت إشاعة قوية فى داخل السجن بأن المحكمة أمرت بالقبض عليه وإيداعه السجن .. وهنا تكهرب الجو، سواء داخل عنبر السجن، أو داخل إدارة السجن، حيث يعلم الجميع مدى الخصومة بين مصطفى بكرى وماهر الجندى .. إلا أن الشائعة سرعان ما تبددت.
وكان من عجائب القدر أن تأمر المحكمة بالقبض على ماهر الجندى وإيداعه السجن بعد خروجنا بأيام قليلة .. وكان من المفارقات أن يعود الجندى ويحتل ذات سريره السابق الذى احتله مؤقتًا مصطفى بكرى.
ومن أكثر ما آلمنا داخل السجن حالتان لاثنين من المسجونين فى قضايا مختلفة .. أما الأول فهو محمد كامل عبدالصمد، والذى يعتبر سجنه مضاعفًا لكونه يعيش حياته فوق كرسى متحرك، الأمر الذى يثير حالة من الرثاء إزاء حالته .. فمثل من هو فى حالته يعانى من القدرة على الحياة خارج السجن، فما بالك بداخله .. ولكن مما يخفف من آلامه أنه يقضى جل وقته يتسلى وهو فوق كرسيه المتحرك بلعبتى 'الدومينو' و'الشطرنج' .. ومما يهون عليه حركته أن الله سخر له السجين الشاب هيثم محفوظ أحمد والمتهم بالتهرب من الخدمة العسكرية لمعاونته فى حركته وتنقلاته.
أما رجل الأعمال السابق محسن جابر، والذى كانت لديه مصانع تقدر قيمتها بنحو ستين مليونًا من الجنيهات .. فلم يعد يمتلك من ذكريات الدنيا سوى بقايا إنسان، وأسرة تعانى ويلات الفراق بعد سجنه، وبعد أن تبدل الحال وانقلب.
الحياة فى السجن تسير وفق وتيرة منضبطة .. فما بين الساعة السابعة والنصف صباحًا وحتى الخامسة والنصف مساء تسير الحياة خارج العنابر بعد فتحها وقبل إغلاقها .. وما بين داخل العنابر وخارجها يتعامل المسجونون وفق نظام صارم يشبه إلى حد كبير نظام اللوائح غير المكتوبة .. فاستخدام الحمامات مثلا، يتم وفق نظام يجرى الاتفاق عليه، حيث يتم توزيع المساجين على الحمامات وفقًا لنظام تقسيم
- 15 -
داخلى يهدف إلى الحفاظ على نظافة الحمامات، ومنع تكدسها .. وقد كان من حظى أن تقرر أن أستخدم أحد الحمامات الذى يشاركنى فيه الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل والنائب السابق فؤاد عبدالمنعم هجرس والسجين محمد رضا والدكتور طارق ابراهيم أحد المتهمين فى قضية اغتيال السادات، بينما كان من نصيب شقيقى مصطفى مشاركة الدكتور محيى الدين الغريب وزير المالية السابق وآخرين حمامًا آخر.
وقد تعود المسجونون على أن يصلوا جماعة فى صالة عنبر المستشفى، حيث يحمل كل منهم سجادة الصلاة الخاصة به عند كل صلاة ويؤم الصلاة فى أغلب الأحوال الشيخ السجين منصور عبدالرحمن، وفى بعض الأحيان الدكتور طارق إبراهيم الذى يتميز بصوته الساحر فى قراءة القرآن، أما صلاة العصر فيؤمها فى الغالب الوزير السابق محيى الغريب، فيما تقع مسألة إقامة الصلاة على النائب السابق فؤاد هجرس.
أما صلاة الجمعة داخل السجن فتتم فى مسجد السجن، حيث تتم الاستعانة بشيخ من الأوقاف لإلقاء الخطبة وإقامة الصلاة التى يشارك فيها كافة المساجين من العنابر المختلفة، ويحضرها فى الغالب ضباط من إدارة السجن كالمأمور العميد سمير عبدالغفار، أو نائب المأمور العقيد أسامة أبو الهيثم أو مفتش المباحث العقيد سمير سالم أو المقدم محمود البساطى الذين يتسمون بقدرة هائلة على إدارة الحوار لتنوع ثقافاتهم وتعدد قراءاتهم.
ولأن بعض المسجونين كجماعة الإخوان وغيرهم لا يسمح لهم عادة بمغادرة عنابرهم فى معظم أيام الأسبوع، باستثناءات قليلة، فإن يوم الجمعة يعد بمثابة يوم التلاقى بين المساجين من العنابر المختلفة.
وفى يوم الجمعة تتعطل الحياة داخل السجن، حيث تغلق الورش والكافيتريا أبوابها .. وتقل حركة البيع والشراء، ويقبع المسجونون معظم النهار داخل عنابرهم .. أما فى باقى أيام الأسبوع، فإن الحياة تدب بقوة فى كافة أرجاء السجن .. وتنشط حركة التجارة، من بيع ملابس إلى شراء السلع واللوازم الضرورية، إلى غسل الملابس وكيها، وغيرها من دروب الحياة داخل السجن.
وقد اعتدنا أنا ومصطفى أن ننزل ضيوفًا لبعض الوقت على منطقة الكافتيريا، حيث نجلس تحت شجرة كبيرة تظلل المكان ونشرب الشاى، وقد اخترنا منذ البداية يوم الجمعة من كل أسبوع أن نتناول 'الفول والطعمية' كوجبة إفطار لهذا اليوم .. وكان النزلاء محمد إبراهيم وهشام عبدالعزيز وصبرة يقومون بالواجب وزيادة معنا .. وخلال تواجدنا معهم داخل الكافتيريا كنا نشاهد بعض المساجين يدخلون إلى منطقة البقالة، يلقون علينا بالسلام، ثم يتجهون ليأخذوا بعض السلع كالمعلبات وغيرها، ثم يرحلوا .. وكنا نشاهد فى الوقت ذاته كلا من صبرة أو محمد إبراهيم يسجلان فى دفتر خاص الأسماء والسلع الخارجة .. وقد علمنا أن هذا النظام متعارف عليه داخل السجن، فمن يريد أية سلعة يمكنه أخذها، ويتولى المشرف على الكافتيريا والبقالة تسجيلها فى الكشوف، وتقييدها باسم صاحبها، لحين السحب من حسابه بالأمانات فى نهاية الشهر.
ولأن المحاسبة داخل السجن تعتمد على السجائر كعملة للسداد، فقد فوجئت يومًا بالدكتور محيى الدين الغريب ينتحى بى جانبًا ويبلغنى بصوت هامس بأنه، وفقًا للنظام داخل عنبر المستشفى بالسجن، فإن من يتولون نظافته من المساجين الشبان يحصلون على خرطوشة سجائر شهريًا من كل نزيل بالعنبر .. فهمت الرسالة .. وفى صباح اليوم التالى كنت أضع بين يدى الوزير السابق خرطوشتى سجائر كليوباترا كمقابل لى ولمصطفى.
وفى السجن تختار كل مجموعة متآلفة من بعضها أن تتناول طعامها معًا وفقًا لنظام محدد ومتفق عليه، وقد أعجبنى فى عنبر المستشفى هذا النظام الصارم الذى تفرضه مجموعة الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل، حيث تتناول وجباتها وفقًا لمواعيد ثابتة لا تتأخر، ولا تتقدم دقيقة .. فعند الرابعة إلا ربعًا من بعد ظهر كل يوم يمكنك أن تضبط ساعتك وأنت تشاهد هذه المجموعة وقد جلست حول مائدة الغداء بعد أن تكون قد أعدت قبيل فترة وجيزة.
الزيارات هى أكثر ما ينتظره السجين خلف الأسوار .. فحين ينادى على السجين بأن لديه زيارة تجده يلبس أفخر ما عنده من ملابس 'زرقاء' يقص شعره، ويحلق ذقنه، ويتأهب فى أحلى صورة .. ثم يحمل معه 'تذكرة الزيارة' التى لا يسمح له بالزيارة بدونها، ويخرج إلى زائريه الذين يتعايش معهم للحظات عما يشغلهم فى الدنيا، ويتنسم منهم أخبار عالم ما خارج الأسوار.
وقد كانت الزيارات بالنسبة لنا فى محبسنا فرصة لاختبار حجم حب الأصدقاء لنا .. وقد كان للزيارات المتعددة التى جاءتنا أثرها العميق فى نفوسنا .. كما اشتملت بعضها على مفارقات غريبة.
فالسيناريست الكبير وحيد حامد حين جاء لزيارتنا، وجلس معنا مطولاً .. لم نعرف فوزه بجائزة الدولة التقديرية إلا بعد مغادرته للسجن، حيث فوجئنا بعد أن وصلتنا الصحف ورحنا نقرأها باسمه وصورته تتصدر الصحف، وقد كان مغزى زيارته لنا يوم إعلان فوزه بمثابة لمحة إنسانية غاية فى الرقة والبراعة .. أما الفنانة الكوميدية خفيفة الظل سناء يونس، فقد جاءت لزيارتنا مبكرًا، وحين أبلغنا بخبر الزيارة كان مصطفى جاهزًا فخرج لمقابلتها، بينما لم أكن قد استعددت بعد لانشغالى بالطابور الرياضى الصباحى، وحين أعددت نفسى وتوجهت
- 16 -
لإدارة السجن لمقابلتها كانت قد غادرت، الأمر الذى أفقدنى رؤية ومقابلة فنانة وطنية أكن لها كل التقدير والاحترام ويومها جاءت محملة بعلب الحلوى والمأكولات.
أما شاعرنا الكبير فاروق جويدة فقد أبلغتنا إدارة السجن أنه حصل على تصريح لزيارتنا، إلا أنه تأخر، ولم يحضر إلا بعد يومين من إبلاغنا .. وعلى مدى هذين اليومين كنا حريصين على مقابلته .. وحين جاء كان لقاؤه دافئًا وشاعريا، ويحمل مشاعر وطنية متدفقة.
وفوجئنا معه بزيارة د.أسامة أبو طالب رئيس المركز القومى للمسرح والذى كانت لزيارته وقع ككير فى النفس.
ومن الزيارات المثيرة كانت تلك الزيارة التى قام بها اللواء سفير نور رئيس مجلس إدارة المعاهد القومية ومعه د. نبيه العلقامى عضو الأمانة العامة للحزب الوطنى، حيث تمت فى وقت متأخر، وحضر معهما اللواء رشيد مدير منطقة سجون طرة، وصحبهما الشاعر مصطفى كامل مؤلف أغنية 'بابا فين'.
وإذا كانت الزيارات التى قصدتنا داخل محبسنا قد شملت شخصيات من كل فئات المجتمع المصرى دون ارتباطها بحزب أو تنظيم أو فئة بعينها .. فقد كان لبعض الزيارات طعمها الخاص .. ففى اليوم الثانى من دخولنا السجن جاء لزيارتنا وفد من نقابة الصحفيين ضم الزملاء يحيى قلاش السكرتير العام لنقابة الصحفيين وسعيد عبدالخالق رئيس تحريرالميدان وعضو مجلس النقابة وأحمد موسى رئيس قسم الحوادث بالأهرام، ثم تلى ذلك زيارات للزملاء حمدين صباحى عضو مجلس نقابة الصحفيين وأيمن نور عضو مجلس الشعب وياسر رزق عضو مجلس النقابة ومحمد صلاح الزهار ثم زارنا الأساتذة سناء السعيد ومحمد حسن الألفى المستشار الإعلامى لوزير الثقافة والأساتذة محمود مهدى نائب رئيس تحرير الأهرام والكاتب الكبير محمد عودة والأستاذ يوسف الشريف والأستاذ عبدالعظيم مناف وإبراهيم حفنى رئيس تحرير صوت قنا وعبدالهادى تمام الصحفى بالأهرام وحمدى حمادة الصحفى بصوت الأمة وحسين عبدالقادر رئيس قسم الحوادث بأخبار اليوم والزميل أحمد رفعت رئيس تحرير مجلة ' أفراح 'وعبدالله تمام رئيس تحرير أخبار أسيوط وناجى الشهابى رئيس حزب الجيل ورئيس مجلس إدارة الصحيفة والذى تابع قضيتنا منذ اليوم الأول ومختار عبدالعال رئيس تحرير الجيل ومحمد مصطفى مدير مكتب صحيفة السياسة الكويتية بالقاهرة وأحمد يوسف الصحفى بجريدة الرأى والزميل عصام كامل مدير تحرير الأحرار ومصطفى عبدالعزيز لصحيفة الوفد وغيرهم.
كان وصول هذه الأعداد المتنوعة من الصحفيين للزيارة هو تعبير عن تعاطف وتضامن الصحفيين مع قضيتنا، وتعبير عن تلاحمهم فى معركة رفض حبس الصحفيين فى قضايا النشر، حيث كانت قضية حبسنا سببًا فى إعادة طرح القضية مجددًا كما عبر عن ذلك بصدق الصحفى الكبير صلاح منتصر فى مقالته الرائعة بالأهرام.
ومن الأمور التى بعثت فى نفوسنا البهجة والراحة فى آن واحد هو ما علمناه من مجهودات ومتابعة دقيقة لقضيتنا من قبل أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل، الذى بذل كل ما يستطيع من جهد فى الدفاع عن موقفنا، كما كلف مكتبه بأن يبلغ أسرتينا بأنه على استعداد لتوفير كل المتطلبات اللازمة لنا خلال فترة السجن، وكانت اتصالات الأستاذ هيكل بأسرتينا شبه يومية.
أما الأستاذ النقيب إبراهيم نافع فما قام به من جهد فى قضيتنا إنما كان تجسيدًا لدفاعه الدائم عن حرية الصحافة، ورفضه المطلق لقانون حبس الصحفيين فى جرائم النشر، وتأكيدا على دوره فى حماية الصحفيين وأسرهم خلال تعرضهم للمحن، وهو دور نجح فيه بامتياز وبجدارة.
وإذا كان الصحفيون قد توافدوا على زيارتنا من كل مكان، ناهيك عن الزملاء بـ'الأسبوع' الذين استطاع عدد محدود منهم الوصول إلينا .. بينما عاد العشرات من أمام بوابة السجن بعد أن رفضت الإدارة السماح لهم بالزيارة .. فإن تجمعات أخرى تمكنت بعض رموزها من الزيارة كالفنان الكبير حمدى أحمد والفنان سامح الصريطى اللذين كانت وقفتهما تعبيرًا عن إيمانهما العميق بحرية الصحافة، وحرية الوطن .. كما جاء لزيارتنا وفد يضم ممثلين عن رابطة أبناء قنا بالقاهرة ضم: د.أنور رسلان عضو مجلس الشورى والعميد السابق لحقوق القاهرة والأستاذ محمود مهدى وماهر الجربوعى وفاروق معتوق والحاج عبدالنعيم آدم عضو مجلس إدارة المقاولون العرب ود. عصمت دنقل وكيل وزارة الصحة بقنا وممدوح رمزى المحامى وغيرهم حيث جاءوا إلينا ناقلين لنا تحيات الأستاذ فكرى مكرم عبيد رئيس رابطة أبناء قنا والذى بادر منذ اليوم الأول لتبنى قضيتنا .. أما المحامون فقد توافد علينا العشرات منهم يعرضون الدفاع عنا أمام المحكمة. ومنهم الأستاذ ممدوح قناوى الذى زارنا مرتين والأستاذ سمير عيسى بالاضافة للأستاذين محمد الدماطى وعلى عبدالعزيز وكان للأستاذ سامح عاشور نقيب المحامين مع كتيبة المحامين الشرفاء الدور البارز فى متابعة تطورات القضية منذ لحظة القبض علينا وحتى اطلاق سراحنا.. وحين توجه الأستاذ النقيب إلى المغرب لحضور اجتماع لاتحاد المحامين العرب كان يجرى الاتصالات المستمرة مع حرم شقيقى مصطفى لمتابعة الموقف أولاً بأول.
وكان من مفاجآت الزيارات تلك الزيارة التى قام بها المفكر القبطى الدكتور نبيل لوقا بباوى الذى أهدانا نحن وإدارة السجن بعضًا من مؤلفاته الأخيرة التى استمتعنا بقراءتها خلال فترة الحبس.
فى سجن المزرعة بطرة رحنا نسمع حكايات لا أول لها ولا آخر عن مسجونين سابقين مروا يومًا من هنا .. وكان بينهم قائد تنظيم ثورة مصر محمود نور الدين الذى وصف لنا أحد المسجونين كيف أنه شاهده يقف فى أحد الأماكن بفناء السجن ويتأمل السماء بعينيه، وفى اليوم التالى سقط شهيدًا فى ذات الموقع الذى كان يتأمله فى اليوم السابق.
أما بقية أبطال ثورة مصر نظمى شاهين وسامى فيشة وحمادة فقد تركوا بصمات واضحة داخل السجن الذى قضوا فيه خمسة عشر عامًا من أعمارهم بتهمة مطاردة جواسيس 'الموساد' والـ'سى.آى.إيه' على أرض مصر المحروسة.
- 17 -
فى السجن.. طقوس.. وعادات.. ومواقف لا تنسى
- الأزمة وحدت مواقف الصحفيين على قلب رجل واحد
- قلنا للصول مصطفى إننا نحتج على عمل الفيش والتشبيه بالحبر الأمريكانى.. فرد قائلا: الحبر المصرى يحتاج يومين لإزالة آثاره
- حسن المعاملة فى سجن المزرعة ذكرنا بالأيام الكئيبة فى حبسة ليمان طرة 1981
- 'كوكتيل' المساجين تفرقهم الخلافات والاتهامات وتجمعهم العلاقة الإنسانية
- معالجة الصحافة الكويتية لقضيتنا شكلت مفاجأة حقيقية لنا
- كل سجين يبحث عن صديق كمستودع لأسراره يهون من غربته
- 'كيمياء' إنسانية خاصة ربطت علاقتنا بخالد محمود وياسر سعودى
فى العالم الداخلى للسجون.. يتحول المسجون إلى مجرد رقم.. يدون به فى السجلات.. ويرفق فى الاستمارات.. ويكتب فى صدر التذكرة الخاصة بكل سجين.. وإذا كان المواطن يعرف خارج السجن، وتدون بياناته فى الأوراق الرسمية من واقع وظيفته، ومهنته.. فما أن ينتقل داخل الأسوار.. حتى يتغير حاله، ويتبدل.. حيث سرعان ما يستبدل لفظ الأستاذ أو السيد إلى لفظ 'المحكوم' أو 'النزيل' وبدلا من تحديد وظيفته فى البيانات الرسمية كوزير أو صحفى أو محام أو رجل أعمال، تملأ الخانة المحددة بدلا من ذلك بالعقوبة المحكوم بها على السجين وفقا للجريمة المنسوبة إليه، فقد يوضع بدلاً من خانة الوزير 'تهمة' أموال عامة، وترفع وظيفة الصحفى لتحل محلها تهمة 'السب والقذف' ويستبدل لفظ 'المحامى' بجريمة 'النصب' و'رجل الأعمال' بـ'السرقة'.. وغير ذلك.. ووفقاً لذلك تخضع حالة السجين لقواعد ولوائح السجن التى تطبق على الجميع.
فما أن تطأ قدماك السجن، حتى تجد نفسك أسير سلسلة من الاج0راءات.. فبعد التسكين وتدوين البيانات وملء الاستمارات اللازمة.. وما أن بدأنا الانخراط فى عالم السجن صبيحة اليوم التالى حتى فوجئنا بالصول مصطفى المساعد بسجن المزرعة يتجه نحونا، طالبًا منا أن نتبعه لعمل الفيش والتشبيه الخاص بالسجن هذه المرة.. وإذا كانت إدارة تنفيذ الأحكام حصلت على ثلاثة فيشات لكل منا، إلا أننا فوجئنا بالصول مصطفى يغرق أصابعنا فى الحبر لعمل (5) فيشات دفعة واحدة.. وفيما كان الصول مصطفى يواصل فى همة يحسد عليها عمل الفيشات بمهارة وخبرة عالية، راح شقيقى مصطفى يسأله عن نوعية الحبر الذى يستخدم فى الفيش والتشبيه.. فأجاب على الفور 'ده حبر امريكانى'.. عند ذاك قلنا له' هى كل حاجة فى حياتنا بقت أمريكانى.. ألا يوجد حبر مصرى؟.. فنحن لا نحب الأمريكان، ونقاطع كل منتجاتهم'.. وهنا قال الصول مصطفى 'لو استخدمتوا الحبر المصرى، مش هيطلع من ايديكم ولو بعد يومين.. ولكن الحبر الأمريكانى نظيف وبيطلع من الأصابع بسرعة'.
لقد شعرنا آنذاك أننا مرغمون على التعامل مع 'الحبر الأمريكانى'.. وإن كنا غير راضين عن ذلك.. وما أن أنهى الصول مصطفى عمل (5) فيشات لكل منا، حتى فوجئنا بمصور السجن يطلب منا الوقوف بجوار أحد الجدران لالتقاط الصور الرسمية باعتبارنا من المحكومين، وحتى توضع هذه الصور فى ملفنا الرسمى.
فى هذه اللحظات جالت بخاطرى تلك اللحظات الكئيبة من عام 1981، حين اعتقلنا أنا ومصطفى فى السادس عشر من أكتوبر لعام 1981، وأودعنا ليمان طرة بتهمة معارضة سياسات السادات مع إسرائيل قبيل اغتياله فى السادس من أكتوبر من العام ذاته..فى هذا الوقت كان المسجونون السياسيون يقابلون بتشريفة خاصة.. وقد كان من الأمور المبتكرة لدى إدارة سجن الليمان الذى تم إيداعنا فيه أن السجين يلقى فور دخوله 'ترحيبًا حارًا' فما أن يعبروا بك الباب الخارجى للسجن، ويدلفوا بك إلى داخله، حتى تفاجأ بأحد الصولات غليظ البدن والقلب والمشاعر يعبث فى جسدك، ويحرك يديه فى كل مناطق جسمك دون اعتبار لحرمة بعضها.. وحين رحت يومها اسأل الصول عما يفعل.. رد على بقوله: 'يمكن تكون مخبى حاجة فى ملابسك الداخلية'.. ولم نكد ننتهى من صدمة التفتيش الحار يومها.. حتى
- 18 -
فوجئنا بالعميد محمد صفوت جمال الدين مأمور السجن آنذاك.. يقف على رأس مجموعة من الجنود مفتولى العضلات، أقوياء البنية.. يتأهبون للانقضاض علينا، وكأنهم ينتظرون فريسة آنت لحظة التهامها.. صفان من الجنود وقفوا على أهبة الاستعداد وبأيديهم عصى جلدية مكهربة.. راحوا يمطروننا بها، بينما نحاول نحن مقاومتهم بكل ما أوتينا من قوة.. رحنا نواجههم بشجاعة رغم أن عددهم كان يتجاوز العشرين.
ووسط وابل الشتائم الذى أطلقناه فى مواجهتهم كان عدد منهم يسمك بذراعى كل منا، بينما انقض على كل منا 'جزار' يوصف كذبًا بأنه 'حلاق السجن' ففى ضربتين متوازيتين بماكينة الحلاقة كان قد حفر فى رأسينا نهرين متقاطعين، أحدهما مار بوسط الرأس من أوله لآخره طولاً، والآخر بعرض الرأس، فيما ترك لنا باقى شعرنا وكأنة أشجار وتلال وتضاريس تحرس شواطئ النهر آنذاك..
تذكرت هذه اللحظات التى مضى عليها اثنان وعشرين عامًا الآن، بعد أن وجدت ذات المنظر يتكرر.. وإن كان شتان الفارق بين صورة الأمس واليوم.
فى ذلك الوقت البعيد أصرت إدارة السجن على أن نقف فى طابور طويل، فى سلسلة لا تنتهى من المسجونين.. كل منا ينتظر دوره للتصوير.. حاولنا يومها أن نذهب للحلاق لنقص ما تبقى من شعر الرأس.. لكن الإدارة أصرت على أن تأتى الصورة مشوهة، وكأن المقصود هو الإيذاء النفسى وليس البدنى فقط.. فحين وصلنا إلى مصور السجن، وبعد أن وقفنا لأكثر من ساعتين تحت الشمس الحارقة، أعطوا لكل منا رقما لنحمله على صدرنا حيث تلتقط لنا صورة بكافة ملامح وجهنا، ثم يوضع الرقم فى جانب الكتف حتى تلتقط لنا صورة جانبية.. الأمر الذى ذكرنى آنذاك بصور المجرمين الهاربين الذين تنشر صورهم فى الصحف ووسائل الإعلام بحثًا عنهم حين يهربون.
هذه الصورة المأساوية اختفت تمامًا فى هذا الزمان الذى يدير فيه دفة الأمن ببلادنا أناس يحفظون للإنسان قيمته وكرتمته، فقد وقفنا أنا وشقيقى مصطفى حاملين أرقام السجن، مبتسمين للكاميرا التى دارت لالتقاط الصور فى لحظات دون أن نتحمل أى عبء، أو نتعرض لأية متاعب.
كان أكثر ما شغلنا فى تلك اللحظات هو موقف الصحفيين والمؤسسات الصحفية المختلفة إزاء ما حدث معنا، خاصة بعد أن تبين للجميع أن قضيتنا عادلة، فقد سبق ذلك بأيام إدانة محمد عبد العال رئيس حزب العدالة السابق وسجنه لـ10 سنوات فى اتهامات تتجاوز بكثير ما نشرناه ضده، وكان سببًا فى الحكم بسجن كل منا لمدة عام.. لم يكن شاغلنا آنذاك لسبب ذاتى أو شخصى، بل كان شاغلنا هو قضية حبس الصحفيين التى تحولت إلى ظاهرة لم تطل حتى الآن إلا الشرفاء من الصحفيين.
وبقدر انشغالنا، بقدر ما بدت قلوب وسواعد الصحفيين منذ اللحظات الأولى على قلب رجل واحد، وكانوا جميعهم أو غالبيتهم العظمى عند مستوى التحدى المأمول منهم.. وإذا كانت العديد من الصحف والزملاء قد اتخذوا مواقف واضحة وبليغة إزاء ما جرى.. وأكدت وقوف كل الصحفيين فى خندق واحد دفاعًا عن حريتهم.. إلا أن الأزمة التى تعرضنا لها، كانت لها ــ ومنذ لحظاتها الأولى ــ جوانب إيجابية، فقد أطاحت بكل الخلافات التى تراكمت بفعل العمل الصحفى بيننا وبين بعض الزملاء فى الحقل الصحفى إبان السنوات الماضية.. فيما ظهرت مواقف ناصعة البياض لزملاء أعزاء كانت وقفتهم أكبر من مفاجئة بالنسبة لنا.
فحين كنا نشق طريقنا صوب السجن، وبينما كانت اجراءات الحبس تتواصل.. تلقى شقيقى مصطفى اتصالاً من الأخ والزميل جمال فهمى الكاتب والصحفى البارز بجريدة العربى.. الناصرى.. كانت كلماته تقطر ودًا، وتطوى بحلاوتها صفحة تمنينا كثيرًا أن تذهب بلا رجعة.. وعلى هاتفى تلقيت اتصالا من الدكتور رفعت سيد أحمد كان محملاً بكلمات وعبارات حماسية، ومجاملة رقيقة على نبل المواقف رغم مساحة الخلاف.. وجاءت كلمات ياسر زارع سكرتير تحرير 'الأسبوع' السابق لتؤكد أصالته.. فيما راح العشرات من الزملاء، من صحفيين ومحامين يتحركون ويحتشدون فى مبنى النقابة وصحيفة 'الأسبوع' وساحة المحكمة، يقدم كل منهم نموذجًا فريدًا فى العطاء والوفاء.
ولم تمض أيام، بل لحظات على عملية القبض علينا، حتى راحت معظم الصحف تكسر حاجز الخلاف، وتقتحم بوابات القطيعة، وتعبر فى شكل تضامنى غير مسبوق عن واقع جديد لحالة فريدة انطلقت فيها كل الأقلام الحرة، لتذود عن الكلمة الحرة.. وقفت صحيفة 'العربى' بقيادتها ممثلة فى الزميلين عبدالله السناوى وعبدالحليم قنديل وأسرة تحريرها موقفاً مشرفًا وعظيمًا، وبمهنية عالية قاد الأستاذ عادل حمودة كتيبة 'صوت الأمة' فى دعم موقفنا، وبتأييد عارم صمدت 'الميدان' بقيادة المخلصين سعيد عبدالخالق ومحمود الشناوى فى قلب ميدان الحق.. تدفع عن الصحافة هذه الهجمة. وانبرت صحيفة 'الجيل' بقيادة ناجى الشهابى ومختار عبدالعال تكشف للمصريين أبعاد ما جرى، معربة عن تضامن غير مسبوق، وراحت صحيفة 'النبأ' وبتوجيه مباشر من رئيس مجلس إدارتها ممدوح مهران الذى فقدناه الأسبوع الماضى برحيله المفاجىء عنا، راحت تقف فى الخندق الأمامى، بينما وقف الزملاء بالأحرار، وفى القلب منهم الزميل عصام كامل، مدير التحرير موقفاً محترمًا.. وكتب الزميل أسامة الكرم فى 'حديث المدينة' كلمات ممزوجة بحب فريد، وكان للزميلين مؤمن
- 19 -
أحمد وهشام أبو المكارم دورهما الجسور فى جريدة 'الصدى'.
وكانت المفاجأة الكبرى فى موقف الزميل ياسر فرحات رئيس مجلس إدارة صحيفة 'الملتقى' الذى كان لموقفه أثر كبير فى نفوسنا بعد أن تبنى قضيتنا وحملها على عاتقه بشكل اتسم بالفروسية والشجاعة.. وكان لصحيفة الحقيقة برئاسة الأستاذ محمد عامر دورها المؤثر فى الدفاع عن الحريات.
وإذا كانت صحيفة 'الأهرام' قد سبقت الجميع فى موقفها الذى يليق بتاريخها فى الدفاع عن الحريات فإن الاستاذ عباس الطرابيلى كان صادقاً مع نفسه حين عبر عن وقفته المبدئية فى صحيفة 'الوفد'.. واتخذ صحفيو 'الأهالى' موقفاً واضحًا فى التضامن مع قضيتنا، وتضمنت صحيفة 'آفاق عربية' بقوة، ووقفت جريدة 'المصريين' برئاسة المستشار أحمد الفضالى ذات الموقف، وراحت الصحف العربية، وعلى امتداد العالم العربى تتخذ موقفاً داعمًا، وتدفع بالقضية إلى آفاق أوسع وأرحب.. واتخذت صحيفة الوقائع العربية برئاسة تحرير أسامة شرشر موقفاً مبدئيًا.
ووقفت القنوات الفضائية وفى مقدمتها المنار والعربية والجزيرة وأبو ظبى والـ A. N. N وقناة النيل للأخبار وغيرها تتابع القضية أولاً بأول.. واتخذت منظمات حقوق الإنسان واللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأى موقفاً رافضاً للحبس.. فيما تكدست مواقع الانترنت بالمقالات ودعوات التضامن التى لا أول لها ولا آخر.
أما الزملاء بـ'الأسبوع' فقد علت قامتهم وموقفهم أى كلام يمكن أن يقال.. فقد كانوا كتيبة مقاتلة بحق كما وصفهم الأخ مصطفى بكرى. وكان من المواقف تلك التى عبر عنها الأساتذة صلاح منتصر وسلامة أحمد سلامة وأسامة سرايا فى الأهرام، وجمال الغيطانى فى أخبار الأدب وعبدالرحمن الأبنودى فى الوفد ومحمد عبدالقدوس فى آفاق عربية وعصام العريان وملك إسماعيل وأيمن نور ود. محمود جامع فى الميدان ومحمود المراغى فى البيان الاماراتية ومحمد الخولى والسيد الغضبان فى العربى ومحمد حسن الألفى فى الوفد وغيرهم من كبار الكتاب بالاضافة للمئات من الزملاء الصحفيين، سواء من كتبوا فى صحفهم أو اعتصموا فى نقابة الصحفيين أو اتخذوا موقفاً داعمًا لحرية الصحافة والصحفيين.
وإذا كانت الصحافة العربية قد اتخذت فى مجملها موقفاً تضامنيًا من أزمة حبسنا، فقد كنا نتوقع، ومنذ اللحظات الأولى للقبض علينا أن تبادر الصحافة الكويتية وعلى ضوء ما بيننا وبينها من خلافات بشن حملة شرسة ضدنا.. بيد أن الأمر جاء بمثابة مفاجأة لنا.. فحين تابعنا ما نشر فى الصحافة الكويتية، خاصة صحفيتى الوطن والسياسة أدركنا كيف أعلت تلك الصحف من شأن حرية الصحافة والصحفيين على ما عداها من أمور سياسية خلافية اتخذت طابع الحدة فى الأشهر الأخيرة.
فى السجن تتباين المشاعر، وتختلف الرؤى حول كل من تقابلهم.. وقد حاولنا أنا ومصطفى منذ اليوم الأول لايداعنا سجن المزرعة أن نتعامل بطبيعتنا، وعلى سجيتنا كما يحدث تمامًا فى عالم الخارج، متفقين على أن العلاقة الإنسانية مع المسجونين هى الأساس الذى يحكم هذه العلاقة، وأن كون أى إنسان سجين مجرما أو مظلوما.. قبض عليه وحوكم لأنه ارتكب جريمة ما، أو زج به ظلمًا.. فذلك أمر لا يعنينا فى تلك الظروف لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بما داخل النفوس، ولأن القضاء ولسنا نحن هو الذى اطلع على الأدلة وأصدر حكمه.
مثل هذه النظرة كانت الدافع وراء انفتاح علاقتنا بكل من تعاملنا معهم داخل السجن، ولأننا بشر تتحرك قلوبنا بمشيئة الله سبحانه وتعالى فإن كيمياء إلهية ربطت بين قلوبنا وبين بعض من هم خلف الأسوار.. وإذا العديد منهم قد احتل مساحة من الود الإنسانى داخل قلوبنا، فإن بعضهم احتل مساحة كبيرة من مشاعرنا جراء عوامل شخصية ربطت فيما بيننا منذ اللحظات الأولى للقائنا خلف الأسوار.
وكأن شيئاً إلهيًا، وخيطاً موصولاً ربط بيننا وبين خالد حامد محمود نجل الوزير السابق.. فمنذ ليلة وصولنا الأولى سمعنا من المسجونين كيف انعزل عن الدنيا فى العنبر المسجون فيه وكيف راح يستغل جل وقته فى العبادة والصلاة.. كان الكثيرون يتحدثون عنه بلغة طيبة.. وبدا واضحاً أنه اكتسب موقعاً متميزًا فى قلوب المسجونين.. لم نكن نعرفه من قبل.. وقد أردنا جراء ما سمعنا عنه أن نتعرف عليه.. فأرسلنا فى طلبه مع المهندس يحيى الذى يقيم معه بذات العنبر، ولكنه جاء ليبلغنا أنه مستغرق فى الصلاة ولن ينتهى قبل ساعتين.. وحين انتهى من صلاته وخرج من العنبر باحثاً عنا كنا مشغولين بزيارة لنا فى إدارة السجن.. وهكذا مر يومان قبل أن نلتقى سويًا.. وحين التقينا كانت مشاعر إنسانية رقيقة تتسلل بداخلنا تجاهه.. وبدأ هو الآخر يعبر عن ذات المشاعر، لدرجة أننا وهو أمسكنا دموعنا بالعافية لحظة خروجنا من السجن بعد أن تمكنت العلاقة الإنسانية والتى هى بعيدة عن أية أمور أخرى من مشاعرنا.
وخلال وجودنا بعنبر المستشفى لاحظنا أن شخصًا يقيم بعنبر 'ب'المقابل للعنبر الذى نقيم به.. يتخذ لنفسه ركناً خاصًا فى نهاية العنبر لا يكاد يغادره إلا للخروج للتريض صباحًا بصحبة الدكتور طارق إبراهيم، أو للخروج للزيارة، وحين تلاقينا فى صالة العنبر للمرة الأولى راح يطلب الجلوس مع شقيقى مصطفى ليروى له بعضاً من فصول مأساته.. وقد وطد هذا اللقاء من لقاءاتنا معه، ثم فوجئنا بحالة من التقارب اليومى فى علاقتنا ومشاعرنا وأصبحت علاقة خاصة تربط بيننا وبينه.. كان هذا الشخص هو الشاب ياسر سعودى الذى حمل فى داخله قلبًا نقيًا، وروحًا آخاذة.
- 20 -
وإذا كانت علاقات السجن تحكمها المعايير الإنسانية بالدرجة الأولى.. فقد توطدت أواصر الود مع السجين السياسى هشام محمود عبدالعزيز منذ اللحظات الأولى لدخولنا السجن، حيث هون علينا كثيرًا، وبما لديه من خبرات من أعباء السجن ومتطلباته، وكان عوناً لنا فى تلبية متطلباتنا واحتياجاتنا، كما كان ابن الاشراف بقنا السجين محمد يوسف مدنى عاملاً مساعدًا لنا فى التغلب على بعض المتاعب.
المتأمل لحالةالسجن والسجناء يلمس كل صنوف البشر.. ويكتشف ما بداخلهم من معان.. فالسجن محنة يتعايش فيها السجن مع نفسه أولا، ومع الآخرين ثانيا.. وأول ما يبحث عنه السجين هو أن يجد لنفسه صديقاً، يكون كمستودع الأسرار الذى يحمل عن كاهل صديقه كل هموم غربة السجن.. ويتشاور معه فى كل شئون حياته.. ولعل نظرة تأمل لحال المسجونين فى الداخل تكشف أن كل اثنين يجمعهما رابط مشترك، فنجدهما يتحركان سويًا، ويجلسان سويًا، ويأكلان سويًا.. ومع أن علاقات ممتدة تجمع بين السجناء عمومًا إلا أن البعض، وهم الغالبية يتعايش وفق علاقة ثنائية.. والقليل - القليل فقط هو - من يفضل العيش بمفرده.. لا صاحب له سوى نفسه، وإن كانت عزلته لا تمنع من تلاقيه مع الآخرين، حيث تفرض ضرورات السجن ومتطلباته مثل هذا التلاقى.
والسجن ملئ بالظواهر المثيرة، وأصحاب الرؤى المختلفة.. ويمكن وصف حال سجن المزرعة بأنه ملتقى لكوكتيل من البشر الذين تتنوع اتجاهاتهم وأفكارهم، واهتماماتهم واتهاماتهم.. فهناك المسجونون على ذمة التنظيمات الإسلامية المختلفة.. هناك عناصر الجماعة الإسلامية، ومن تنظيم الجهاد.. من السلفيين، وهناك الاخوان المسلمون، وهناك المنضوون تحت لواء حزب التحرير الإسلامى، وهناك من هم متهمون بازدراء الأديان، والقرآنيون.. وغير ذلك ممن تتعدد رؤاهم ومواقفهم.
وهناك أيضاً من أسمتهم الصحافة بنواب القروض، وبعض المحكومين من ضباط الشرطة أو رجال النيابة أو عساكر الجيش الهاربين، وهناك من هم متهمون فى جرائم قتل وناهبو المال العام، والمضبوطون فى قضايا رشوة وغير ذلك ممن تضمهم عنابر السجن أرقام 3 و4 و5 بالاضافة إلى عنبر المستشفى.. والذين يتجاوز عددهم الـ350 سجينًا، ينتظر زيادتهم بعد الانتهاء من عمليات إعادة بناء وترميم عنبرى (1، و2) الجارى العمل فيهما الآن.
وقد تعود بعض المساجين الذين يسمح بخروجهم من العنابر صباحا على ممارسة الرياضة وفقاً لامكانات السجن المتاحة فمنهم من يعشق لعب الحديد للحفاظ على عضلاته.. ولأن وجود أدوات حديدية للتدريب عليها أمر مرفوض داخل السجن فقد استعان المسجونون ببعض علب الصفيح، وملأوها بالأسمنت، وأمدوا عمودا فى الوسط، وراحوا يستخدمونها فى رفع الأثقال.. ويهوى بعض المساجين ممارسة المشى فقط مع بعض التمرينات الرياضية، كما هو حال ياسر سعودى وطارق إبراهيم، ويهوى البعض ممارسة المشى وحده بشكل يومى ومنتظم وفى مواعيد محددة، كما هو حال رجل الأعمال إحسان دياب والمهندس ماجد البدرى والمحامى أحمد الهندى الذى انخفض وزنه كثيرا جراء حرصه على ممارسة الرياضة يوميا.. وهناك من يمارس الرياضة فى وقت مبكر بداخل العنبر بعيدا عن الشمس لأسباب صحية، كالوزير السابق توفيق عبده إسماعيل والذى يمشى لمدة ساعة يوميا فى مسافة لا تتعدى السبعة أمتار طولا.. وهناك ظاهرة غريبة عايشناها فى السجن، متمثلة فى حالة الشيخ على السيسى الذى يعالج بالتداوى بالأعشاب من الصلع وخلافه من الأمراض، حيث يمتلك هذا الشيخ السجين قوة خارقة فى جسده.. ففى إحدى المرات أراد أن يثبت لنا قوته غير العادية.. فطلب من مصطفى أن يحاول بيديه أن يحكم قبضته حول رقبته.. وقد ضغط مصطفى على رقبة الشيخ على السيسى بكل ما يملك من عزم، لكنه لم يتأثر بشىء.. وفى مشهد آخر طلب منه أن يضربه فى بطنه.. وحين حاول مصطفى فعل ذلك ارتدت قبضته بفعل عضلات الشيخ على الذى تأكدنا بالفعل من قوته الجبارة والخارقة.
منذ لحظة القبض علينا لم تهدأ التحركات لاطلاق سراحنا، فقد تحركت نقابة الصحفيين بقوة بقيادة النقيب الأستاذ إبراهيم نافع، وتحرك الأساتذة المحامون.. وتصاعدت التحركات فى كل الأنحاء.. وأخيرًا تحدد يوم الثالث والعشرين من يونيو لنظر الاستشكال فى الحكم أمام الدائرة 19 بمحكمة جنايات شمال القاهرة.. راحت الأيام تقطع طريقها نحو هذا الموعد. ورحنا نتأهب للحظة سوف تحدد ما هو قادم.. ورحنا نعيش لحظات ما قبل وأثناء وبعد المحكمة.
- توقعنا الحبس فى أى وقت.. إلا بعد ثبوت صحة ما نشرناه ضد المرتشى.. ومع ذلك 'حدث'
- لحظات إنسانية نادرة رافقت إجراءات حبسنا من قسم الحدائق إلى سجن المزرعة
- د. محيى الغريب أول من وقعت عليه أعيننا داخل السجن.. وتوفيق عبده إسماعيل أكثر نشاطا وهو يقترب من الثمانين
- دموع رفعت بشير تساقطت على مدخل السجن.. وخالد محمود 'إنسان بمعنى الكلمة' خلف الأسوار
- ما حدث معى.. ومع شقيقى مصطفى فجر الاثنين الثاني من يونيو بدا لى فى لحظاته الأولى كأنه 'حلم' أو 'هاجس' لم أتبين ملامحه الحقيقية إلا بعد برهة من الوقت.
كنت غارقاً فى النوم فى هذا الوقت المبكر.. فقد كانت عقارب الساعة تشير إلى نحو الربعة والنصف فجرًا حين دق جرس الهاتف فى منزلى.. رحت مسرًعا أرفع سماعة الهاتف لأفاجأ بصوت حرم شقيقى الأستاذ مصطفى تقول لى بصوت خافت 'فى حد جالك'؟.. رحت أسألها عما تقصد بـ'حد جالك' قالت: 'البوليس' رددت عليها بسرعة: أى بوليس؟ ولماذا؟ قالت: ضباط مباحث تنفيذ الأحكام جاءوا للقبض على مصطفى وهم موجودون الآن داخل الشقة، وسيأتون إليك ليأخذوك معهم.
بدا الأمر بالنسبة لى غريبًا ومفاجئاً.. ورحت أسأل حرم شقيقى.. أحكام إيه اللى جايين ينفذوها علينا الآن؟
قالت: حكم السنة حبس الصادر ضدكما فى قضية محمد عبدالعال.
زادت دهشتى ورحت أقول: ولكن حكم السنة موقوف بقرار من النائب العام منذ صدوره فى أكتوبر 1998.
قالت لى: الضباط بيقولوا إن محكمة النقض نظرت القضية بالأمس 1/6 وقررت تأييد الحكم.
أصابنى الذهول، ورحت أتساءل عن كيفية نظر قضية معروضة منذ خمس سنوات أمام محكمة النقض دون أن نعلم، أو يتم إخطارنا، أو يعلم محامونا أى شىء.
لم أصدق الأمر.. ورحت بعد أن أغلقت سماعة الهاتف أطلب شقيقى مصطفى على الهاتف لأحادثه هو هذه المرة.. فقد تصورت أن الأمر خدعة، لأنه من غير المعقول ـ حسب ما أرى ـ أن تنعقد محكمة النقض وتؤيد الحكم دون أن نأخذ فرصتنا حتى فى الاستعداد لتنفيذ الحكم، ثم إننى توقعت أن يكون هؤلاء القابعون فى شقة شقيقى من المنتحلين لصفة الضباط، وقد يكونون من العصابات التى تستأجرها بعض جماعات الفساد ـ ممن نلاحقهم ـ للانتقام من ملاحقاتنا لهم على صحفات 'الأسبوع'.. فلم أكن أتوقع، ونحن فى القرن الحادى والعشرين، وفى العام 2003 منه أن يأتى ضباط مصريون على هيئة 'زوار فجر' يقتحمون مسكن رئيس تحرير، ونائب رئيس تحرير عند هذا الوقت المبكر جدًا، ليروعوا الأطفال، ويثيروا الذعر فى المكان.. وقلت فى نفسى: 'لو أنهم ضباط حقيقيون لرفعوا سماعة الهاتف، أو ارسلوا إلينا قصاصة ورق، ولذهبنا إليهم بأنفسنا إلى إدارة تنفيذ الأحكام.. فلسنا نحن من نخاف من تنفيذ حكم ـ أيًا كان ـ ولسنا نحن ممن يفكر فى الهرب حتى يتعاملوا معنا بهذا الشكل.. فلقد قررنا منذ زمن بعيد أن نحمل رسالتنا فى قلوبنا، وأن نتمسك بأرض الوطن حتى آخر لحظة فى حياتنا'.
كانت هذه الهواجس التى انتابتنى حافزًا لأن أطلب من شقيقى مصطفى أن يتأكد من شخصية هؤلاء الضباط.. وكانت المفاجأة أنه أكد لى أنهم ضباط مباحث تنفيذ الأحكام، وراح يحثنى على سرعة الاستعداد، لأنه على وشك النزول مع الضباط، وأنهم سيتجهون إلى منزلى لاصطحابى.
توقعت أن يصلوا إلىّ فى غضون عشر دقائق لا أكثر.. فالمسافة من مسكن مصطفى حتى مسكنى لا تستغرق أكثر من هذا الوقت.. على الفور رحت استعد للمغادرة، فيما انخرطت زوجتى فى إعداد حقيبة صغيرة بها بعض اللوازم الضرورية لمثل هذه الرحلة التى تمتد لنحو العام.
بهدوء شديد تعاملت مع الأمر.. وخلال دقائق كنت قد هبطت إلى الشارع، حيث استقبلت الضباط ومهم شقيقى مصطفى، والذين توجهوا بنا على الفور إلى قسم حدائق القبة.. فمن هناك تبدأ رحلة الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم.
وفيما كانت السيارات المصاحبة لنا تشق طريقها صوب قسم الحدائق.. رحت استرجع بذاكرتى هذا الحكم المثير، الذى كنا نتوقع تنفيذه فى أى وقت منذ أصدره ضدنا المستشار حسيب البطراوى بعد جلسة لم تستغرق ثلث الساعة فى الثانى والعشرين من أكتوبر لعام 1998، والذى تم ايقاف تنفيذه بقرار من النائب العام المستشار رجاء العربى آنذاك.. لحين الفصل فى الطعن بالنقض.
أقول.. كنا نتوقع تنفيذه فى أى وقت إلا هذا الوقت على وجه التحديد.. لأنه وقبل أسبوع فقط على موعد صدور حكم النقض، والذى صدر يوم الأحد (1/6) كان الأحد الذى يسبقه (25/5) يحمل شهادة تامة ببراءتنا المطلقة من الاتهامات التى وجهناها لـ محمد عبدالعال، وتم بسببها صدور الحكم بحبسنا لمدة عام.
- 3 -
لقد اتهمناه بالفساد، والرشوة، والابتزاز، ثم شاءت الأقدار أن تقرر نيابة أمن الدولة العليا إحالة محمد عبدالعال إلى المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا بتهمة الابتزاز وتقاضى رشاوى، وبعد جلسات استمرت لعد ة شهور أصدرت محكمة أمن الدولة العليا برئاسة السيد المستشار وصفى ناشد حكمًا تاريخيًا أثلج صدورنا.. إذ جاء مؤيدًا لكل ما حوكمنا بسببه فى قضية عبدالعال، حيث قررت المحكمة معاقبة محمد عبدالعال بالسجن لمدة عشر سنوات مع الشغل، وتغريمه 40 ألف جنيه، وفصله من موقعه كرئيس للحزب الذى يترأسه وهو 'حزب العدالة' ومن موقعه الصحفى كرئيس لمجلس إدارة صحيفة 'الوطن العربى'.
بعد أن صدر الحكم فى الخامس والعشرين من مايو الماضى بسجن عبدالعال، بلغت ثقتنا مائة بالمائة بأننا سنربح النقض ونحصل على البراءة بمجرد تقدمى صورة تنفيذية من الحكم الصادر بحقه إلى محكمة النقض ليضم إلى الطعن المقدم، والذى سيدعمه بلا شك، ويثبت، وبما لا يدع مجالاً للشك، أننا حين تصدينا له مبكرًا على صحفات جريدة 'الأحرار' خلال عامى 95 و1996 لم نقل غير الحقيقة.
كانت ـ فى تلك اللحظات ـ تتردد فى مسامعى الكلمات البليغة التى أعلنتها المحكمة برئاسة السيد المستشار وصفى ناشد وهى تعلن الحكم على عبدالعال.. وتوقفت عند الكلمات التى أهابت فيها بالصحافة وأصحاب الأقلام ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة أن يتصدوا لهؤلاء الدخلاء على الصحافة من أمثال عبدالعال.. وألا يتركوهم يسيئون بأفعالهم الدنيئة، وابتزازهم للشخصيات العامة إلى سمعة الصحافة.
وبينما كانت السيارات تقترب من قسم حدائق القبة.. رحت أردد فى داخلى معلقاً على الكلمات البليغة والمناشدة الموضوعية للمستشار وصفى ناشد. فقلت فى صمت: 'لقد تصدينا لصاحب مدرسة الابتزاز الرخيصة.. والنتيجة أننا وبسبب هذا فى طريقنا إلى السجن لتنفيذ حكم بالحبس لمدة عام.. لأننا قلنا فى عبدالعال.. أقل بكثير مما قالته المحكمة'.
حين أوقفت السيارات محركاتها أمام قسم الحدائق.. هبطنا أنا وشقيقى مصطفى من سيارة العقيد محمد هاشم مدير إدارة تنفيذ الأحكام بالقاهرة، حاملين معنا حقائبنا إلى حيث الطابق الثانى، حيث وضعنا فى غرفة رئيس المباحث.
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة بقليل من صباح الاثنين حين صعدنا لغرفة رئيس المباحث.. وعلى الفور بدأ العقيد محمد هاشم اجراءات الحبس والترحيل.. ولم تمض لحظات حتى كان الزملاء بـ'الأسبوع' يتوافدون علينا بعد أن انتشر الخبر بسرعة فائقة فى هذا الوقت المبكر من الصباح.. كان الزميل السيد جمال الدين رئيس قسم الحوادث بـ'بالأسبوع' أول الوافدين بعد أن ترك تشييع جثمان عمته التى توفيت وكانت على وشك الدفن، ثم وصل الزميل عبدالفتاح طلعت مدير التحرير وبصحبته شقيقنا عبدالحميد بكرى.. وهكذا راح الزملاء يتوافدون للاطمئنان، ثم المغادرة.
بعد قرابة خمس ساعات قضيناها فى قسم الحدائق،. توجهنا بصحبة ضباط تنفيذ الأحكام إلى نيابة غرب القاهرة الكلية الكائنة بمحكمة جنوب القاهرة باب الخلق.. قضينا نحو الساعتين داخل النيابة فى انتظار الاجراءات المتممة لعمليات الحبس.. وكانت المفارقة المثيرة التى واجهتنا فى النيابة أن أوراق القضية التى نحبس من أجلها لم تصل بعد من محكمة النقض إلى النيابة. وحين تساءلنا: إذن على أى أساس يتم تنفيذ الحكم، بينما الأوراق التى تحمل الصيغة التنفيذية للحكم لم تصل بعد إلى النيابة؟ جاءنا الرد على لسان المحامى العام بأن الحكم تم تبليغه بإشارة تليفونية.
علت الدهشة ملامحى، وزادت الأسئلة الغامضة التى راحت تتراكم منذ الصباح.. فلماذا هذه السرعة فى التنفيذ؟ ولماذا يتم التنفيذ فجرًا؟
ولماذا اختيار يوم الاثنين الذى كان هو موعد وصول السفاح جورج بوش إلى مصر لعقد قمة شرم الشيخ فى أول زيارة يصل فيها الرئيس الأمريكى لمصر؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
وبينما كنت غارقاً فى جمع التساؤلات، وربط الأحداث.. أبلغنا رئيس النيابة المختص أن اجراءات نيابة غرب القاهرة قد انتهت.. وكان علينا آنذاك أن ننتهى من المرحلة الثالثة من الاجراءات.
من الباب الخلفى لمحكمة جنوب القاهرة اصطحبنا الضباط إلى مبنى إدارة تنفيذ الأحكام الملاصق لمبنى مديرية أمن القاهرة.. هناك كان علينا التوقيع على نماذج الحبس،وعمل الفيش والتشبيه المكون من ثلاث نسخ.. وعند تلك المرحلة ـ مرحلة عمل الفيش والتشبيه ـ وبينما كان مساعد الشرطة ينهى هذا الإجراء، وبالرغم من كل التعاطف الذى شهدناه من الضباط منذ الصباح وحسن المعاملة، إلا أن أحد ضباط الشرطة فى إدارة تنفيذ الأحكام أقدم على موقف دفع بدمعة من عينى لأن تخرج عنوة.
كان شقيقى مصطفى قد سبقنى إلى عمل الفيش والتشبيه.. وما أن أنهى إجراءاته، وفيما كنت استعد بدورى، فوجئت بأحد ضباط مباحث تنفيذ الأحكام يهرول مسرعًا نحو أحد الدواليب ويخرج منه 'فوطة وصابونة' وراح مسرعًا يتجه نحو الأستاذ مصطفى الذى كان يغسل يديه على الحوض من آثار الحبرالأسود الذى ملأ يديه بسبب عمل الفيش.. راح الضابط يعطى الصابونة لشقيقى مصطفى ليغسل بها يديه، وحين انتهى من ذلك، وجد الضابط واقفاً إلى جواره حاملاً له 'الفوطة'.. حينذاك راح الأستاذ مصطفى يشكره على هذا التصرف النبيل..
- 4 -
فما كان من الضابط إلا أن رد عليه قائلاً 'أنا لى الشرف أن أخدمك يا أستاذ مصطفى.. فأنت صاحب قلم حر.. وبتعبر عنا جميعًا'.
كانت تلك الكلمات تعبيرًا حقيقيًا عن المشاعر الوطنية التى قابلتنا خلال تلك الساعات العصيبة.. سمعناها من ضباط ووكلاء نيابة، ومحامين، ومواطنين، عاديين قابلونا ونحن نتنقل داخل تلك الأماكن.. وكانت محصلتها أن شعورًا متزايدًا بالمواقف الوطنية ها نحن نلمس نتائجه على كل المستويات.
كان الاتجاه فى بداية اجراءات الحبس هو أن نودع سجن الاستئناف ـ أكثر السجون المصرية سوءًا ـ ولكن يبدو أن بعض من يديرون الأمور برؤية أمنية مستنيرة فى وزارة الداخلية استدركوا الأمر وقرروا تغيير مكان الحبس إلى سجن مزرعة طرة.. خاصة بعد أن أبدينا اعتراضنا على سجن الاستئناف.
عند الساعة الثالثة والربع تقريبًا كانت الاجراءات قد انتهت من إدارة تنفيذ الأحكام.. وما هى إلا لحظات حتى انطلق طابور السيارات الذى يصحبنا إلى خارج مبنى المديرية، حيث ودعنا الأصدقاء والزملاء الذين تجمعوا خارج المبنى لوداعنا.. كان بعضهم يذرف الدموع.. وكنا نحن نشجعهم ونقول لهم: 'هذه ضريبة محاربة الفساد... ونحن راضون عما أصابنا، ومؤمنون بقضاء الله وقدره أيًا كان.. وطلبنا من زملائنا الصحفيين أن تستمر 'الأسبوع' فى غيابنا كما هى طريقاً للباحثين عن الحقيقة.. وسوطاً يلهب أجساد الفاسدين، ويقتص للمقهورين والمحرومين.
انطلقت السيارات إلى حيث المحطة الأخيرة فى هذا اليوم وبعد رحلة استمرت لأكثر من عشر ساعات.. وبعد نحو ثلاثة أرباع الساعة كنا قد وصلنا إلى مدخل منطقة سجون طرة على طريق الأوتوستراد.. عند المدخل كان على السيارات التى جاءت من خلفنا أن تعود، حيث لن يسمح لها بالمرور إلى الداخل فى الطريق إلى سجن المزرعة.. كان الحاج رفعت بشير عضو مجلس الشعب عن السويس قد علم بخبر القبض علينا.. وفوجئنا به عند مدخل السجن يهبط من احدى السيارات ومعه أحد المواطنين.. كان النائب رفعت بشير متأثرًا للغاية بالخبر المؤسف.. وأراد أن يودعنا بطريقته فاقترب من باب السيارة التى تحملنا وراح يقبل يد مصطفى، فيما انخرط من معه فى بكاء مرير.. رغم أننا لم نتشرف بمعرفته من قبل.
لحظات وكنا نودع العالم الخارجى،ونتجه صوب بوابة صغيرة، كتب فوقها عبارة 'سجن مزرعة طرة العمومى'.. من غرفة المأمور العميد سمير عبدالغفار.. إلى غرفة نائب المأمور العقيد أسامة أبو الهيثم إلى غرفة ضابط المباحث رائد شيرين رحنا نتنقل لإنهاء المرحلة الأخيرة من الإجراءات قبل أن نتجه إلى أماكن الحبس فى الداخل بعد أن جلسنا مطولاً فى مكتب المقدم محمد عشماوى ضابط مباحث أمن الدولة.
ولأننا 'محكومون' بلغة أهل السجون.. فقد أخذت منا الفلوس التى معنا وأودعت فى الأمانات، فيما صودرت الملابس غير الزرقاء التى لا تتناسب مع ملابس السجون بالنسبة للمحكوم عليهم..وتم إعادتها.. ومن هذه اللحظات أصبحنا مسجونين بالملابس الزرقاء ننفذ حكما بالحبس، وننقطع عن عالمنا وعملنا ووطننا وعائلاتنا لأننا كشفنا فاسدًا أثبت القضاء فساده.. وبدلاً من أن نكافأ لأننا سبقنا الجميع فى كشف فساد محمد عبدالعال.. وبدلاً من أن يتم تقديرنا لتصدينا لهذا الفاسد.. بدلاً من كل ذلك.. هانحن نقضى عقوبة الحبس فى سجن مزرعة طرة وفقاً لسيناريو بدا لنا أكثر درامية ومأساوية مما كنا نتخيل.
'هذه إرادة الله.. وما علينا إلا أن نصبر ونحتسب'.. هكذا قلت لشقيقى مصطفى ونحن نجتاز مبنى الإدارة إلى حيث محبسنا.. ورحت أذكره بالكلمة التى قلتها له يوم تآمروا عليه فى 'الأحرار' فجر 28 من أغسطس لعام 1996.. قلت له آنذاك :'رب ضارة نافعة.. وكانت بالفعل نافعة.. فلم تمض ستة أشهر حتى كانت صحيفة 'الأسبوع' تخرج إلى الدنيا.. لتتحول خلال سنوات معدودة إلى ملء السمع والبصر، وقبلة لكل الوطنيين والأحرار والشرفاء فى مصر..
كنا نخطو نحو محبسنا، ولدى فى داخلى إيمان عميق بأن الخير فيما هو قادم.. وأن بعد العسر يسرًا.. كان قلبى فى تلك اللحظات مليئا بالعزيمة والإيمان والطمأنينة. ورحت أمازح شقيقى مصطفى وأقول له: 'ها نحن يا أخى نعود للحبس سويًا مرة أخرى.. ففى العام 1981 ـ كنا صغارًا ـ حين جمعنا ليمان طرة بعد مقتل السادات، وها نحن وبعد 22 عامًا نعود سويًا لسجن مزرعة طرة ورحت أضيف:
'أنا فى منتهى السعادة فى هذا اليوم بالذات' سألنى مصطفى: لماذا؟ قلت له: لأننا مازلنا رغم كل هذه السنوات ثابتين على مواقفنا.. فالحمد لله أننا لم نضعف يومًا.. خولم نضل الطريق.. فهل هناك من سعادة أكثر من أن يجد الإنسان نفسه محترمًا أمام ذاته.. أومأ لى مصطفى برأسه قائلاً 'ولو قدر لنا أن نعيش مثل هذا العمر أو أكثر فلن تتبدل مواقفنا بإذن الله.. وسنظل ندافع عن شعبنا ووطننا حتى ولو قضينا بقية عمرنا خلف الأسوار'.
كنا فخورين بأنفسنا ونحن نقترب من محبسنا.. وما هى إلا لحظات حتى وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع الدكتور محيى الدين الغريب وزير المالية السابق، الذى رحب بنا بحرارة وراح يطرح علينا أمام الضباط المصاحبين لنا سؤالاً استفهاميًا 'طيب إحنا ومعروفين جينا هنا ليه..
- 5 -
وأنتم إيه اللى جابكم هنا؟'.. كان السؤال أصعب من أن نجيب عليه فى تلك اللحظات التى كنا ننتظر فيها تجهيز المكان الذى سنتخذه محبسًا لنا على مدار سنة السجن المحكوم بها علينا، والتى تحسب هنا بتسعة أشهر وليست سنة كاملة.
كان علينا أن نتعرف على زملائنا فى الحبس.. فبعد الدكتور محيى الدين الغريب كان الوزير السابق لشئون مجلسى الشعب والشورى توفيق عبده إسماعيل وفؤاد الهجرسى.. وغيرهما من رفاق الحبسة والذين يبلغ عددهم اثنى عشر فردًا.
بسرعة غريبة تأقلمنا على أجواء السجن، وبسرعة أكثر رحنا نتقابل مع نزلاء السجن الآخرين أمثال النائبين السابقين والمتهمين فى قضية نواب القروض خالد حامد محمود وإبراهيم عجلان.. وعلى طه رئيس مصلحة الجمارك السابق، والشباب الذين حاولوا اغتيال نجيب محفوظ، وبعض المسجونين فى قضايا قتل الرئيس السادات، وجماعات الإخوان المسلمين، وبعض القضاة والمستشارين المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة، وضباط شرطة سابقين، والمتهمين فى قضية حزب التحرير الإسلامى وغيرهم.. وغيرهم.
الحكايات داخل السجن أكثر من أن تستوعبها الذاكرة.. ولكن ملامح الشخصيات تبدو فى داخل السجن، وكأنها وجدت فى هذا المكان مستقرًا للأمان.. فالدكتور محيى الدين الغريب هو أكثر من يواظب على الصلاة فى مجموعتنا، وتجده كل يوم يتلو القرآن من بعد صلاة المغرب حتى العشاء.. ويتعامل مع النزلاء وكأنه واحد منهم ويتولى بمهارة الإشراف على الخدمات الخاصة بالمجموعة المسجونة معه أما الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل فيتمتع فى أوساط المساجين بشعبية كبيرة.. وربما يعود ذلك إلى خفة الدم التى يتمتع بها، وتاريخه كواحد من الضباط الأحرار والذى يروى الكثير من حلقاته هنا بين المسجونين، ناهيك عن حيويته وتمتعه بالنشاط الرياضى اليومى المبكر رغم بلوغه السادسة والسبعين من عمره.
أما مفاجأة هذا الحبس.. فهو خالد حامد محمود النائب السابق ونجل الوزير السابق والسجين فى عنبر (4) مع المجموعة الرئيسية لنواب القروض.. فالمساجين هنا يتحدثون عنه بكل خير.. خاصة بعد أن انقطع للعبادة، ولم يعد يخرج من محبسه إلا للضرورة، كأن يصلى الجمعة فى مسجد السجن، أو يخرج لاستقبال زائر.. وحين التقيناه فى اليوم الثانى لحبسنا بالسجن كان استقباله لنا حميميًا.. قال وهو يسلم علينا بحرارة رغم أن هذا أول لقاء بيننا: 'أنا اختلف مع بعض ما تكتبونه.. ولكنكم تكتبون بصدق.. وهذا احترمه فيكم.. وأمثالكم ليس هذا مكانهم.. أنتم مكانكم هناك فى صحيفتكم لتقولوا كلمتكم لصالح الناس'.
بشكل متسارع رحنا ننخرط فى حياتنا الجديدة 'حياة السجن' فللحياة هنا طقوسها وتقاليدها الخاصة.. فاليوم خارج العنابر يبدأ عند السابعة والنصف صباحًا، وينتهى فى الخامسة والنصف مساءً.. فخلال هذه الفترة امتلكنا حرية التجوال داخل السجن.. وحين يغلق الباب تنقطع علاقتنا إلا بمن هم مسجونون معنا، حيث نتعايش مع النزلاء المحكومين نسمع حكاياتهم ورواياتهم.. ونتبادل الرؤى فى عالم يتشوق كل من فيه إلى الخروج.. من دائرة الحبس إلى آفاق الحرية.
- 6 -
تحية خاصة
تستحق إدارة سجن مزرعة طرة وعلى رأسها اللواء رشيد مدير عام منطقة سجون طرة كل تحية وتقدير على معاملتهم الإنسانية، فتحية شكر وتقدير إلى السادة اللواء إيهاب فرج والعميد سمير عبدالغفار والعقيد أسامة أبو الهيثم والعقيد سمير سالم والمقدم محمد عشماوى والمقدم محمودالبساطى والمقدم مصطفى عبدالعزيز والرائد شيرين وغيرهم من الضباط وتحية تقدير خاصة إلى العميد محسن رمضان ضابط أمن الدولة بمنطقة طرة.
شكرًا.
تحمل العديد من رموز الوطن، من قيادات وشخصيات عامة وصحفيين وإعلاميين وفناين وكتابًا وأدباء وغيرهم مشقة الوصول إلى منطقة طرة لزيارتنا خلال فترة الحبس.. ويستحق هؤلاء شكرًا خاصًا لمسعاهم الإنسانى والتضامن النبيل ومنهم:
ـ اللواء حمدى عبدالكريم نائب مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية.
ـ يحيى قلاش سكرتير عام نقابة الصحفيين.
ـ سعيد عبدالخالق عضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيس تحرير الميدان.
ـ أحمد موسى رئيس قسم الحوادث بالأهرام.
ـ حمدين صباحى عضو مجلس الشعب وعضو مجلس نقابة الصحفيين.
ـ صلاح حاتم المذيع بالتليفزيون المصرى.
ـ أحمد إبراهيم الكحيت أحد العناصر الفاعلة بمنطقة حلوان.
ـ د. أيمن نور عضو مجلس الشعب
ـ ياسر رزق عضو مجلس نقابة الصحفيين
ـ محمد صلاح الزهار أخبار اليوم
ـ محمد الدماطى الحامى
ـ على عبدالعزيز المحامى
ـ مصطفى عبدالعزيز (الوفد)
ـ ناجى الشهابى نائب رئيس حزب الجيل
ـ حامد زيدان نائب رئيس حزب الجيل
ـ عبدالعليم مروان عضو الهيئة العليا لحزب الجيل
ـ الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.
ـ محمد حسن الألفى المستشار الإعلامى لوزير الثقافة
ـ محمود مهدى نائب رئيس تحرير الأهرام
ـ إبراهيم حفنى رئيس تحرير صوت قنا
ـ عبدالهادى تمام الصحفى بالأهرام
ـ حمدى حمادة (صوت الأمة)
ـ حسين عبدالقادر (أخبار اليوم)
ـ صلاح الدالى المعد بالتليفزيون المصرى
ـ حنان منصور مذيعة بالتليفزيون المصرى
ـ المذيع القدير الأستاذ حمدى قنديل
ـ اللواء منصور العيسوى محافظ المنيا ومدير أمن القاهرة الأسبق
ـ أحمد عبدالرحمن صاحب معرض إيجبت كار
ـ سمير عيسى المحامى
ـ محمد مصطفى مدير مكتب صحيفة السياسة الكويتية بالقاهرة
ـ مختار عبدالعال رئيس التحرير التنفيذى لجريدة الجيل
ـ عبدالله تمام رئيس تحرير أخبار أسيوط
ـ د. نبيل لوقا بباوى عضو مجلس الشورى
- 7 -
ـ عادل عيد عضو مجلس الشعب
ـ الشاعر الكبير فاروق جويدة
ـ اللواء رمضان زهير القائد السابق لسلاح المدرعات
ـ صلاح قاسم (رجل أعمال)
ـ د. أسامة أبو طالب وكيل وزارة الثقافة والمخرج والناقد المسرحى المعروف.
ـ عبدالنعيم آدم عضو مجلس إدارة شركة المقاولون العرب
ـ مصطفى عوض الله عضو مجلس الشعب
ـ ممدوح قناوى المحامى وعضو مجلس الشورى السابق
ـ ممدوح رمزى المحامى
ـ جميل مغازى مخرج تليفزيونى
ـ أحمد سليمان الحداد (مواطن)
ـ د. أنور رسلان العميد السابق لحقوق القاهرة وعضو مجلس الشورى
ـ ماهر الجربوعى سكرتير عام رابطة أبناء قنا بالقاهرة
ـ عاطف النجمى المحامى ورئيس جمعية الدفاع العربى
ـ فاروق معتوق مدير عام بمجلس الشورى
ـ المستشار محمد ظهرى
ـ الكاتب الكبير محمد عودة
ـ عبدالعظيم مناف رئيس تحرير صوت العرب
ـ الكاتب الكبير يوسف الشريف
ـ اللواء محمد عبدالفتاح عمر مساعد وزير الداخلية الأسبق
ـ اللواء أحمد عبدالسلام
ـ رفعت بشير عضو مجلس الشعب
ـ اللواء رفعت دنقل القائد الأسبق لفرق أمن القاهرة
ـ د. عصمت دنقل وكيل وزارة الصحة بقنا.
ـ خالد دنقل
ـ الصحفى الكبير عبدالمنعم الجداوى (مجلة المصور)
ـ حسنين كروم مدير مكتب جريدة القدس العربى بالقاهرة
ـ خالد المناوى (رجل أعمال)
ـ خالد مدين ضابط سابق بمكتب وزير الداخلية
ـ أحمد يوسف صحفى بجريدة الرأى
ـ الفنانة القديرة سناء يونس
ـ عصام كامل مدير تحرير الأحرار
ـ السفير إبراهيم يسرى محام ومحكم دولى
ـ اللواء سفير نور رئيس مجلس إدارة المعاهد القومية
ـ الدكتور نبيه العلقامى عضو الأمانة العامة للحزب الوطنى وعضو مجلس الشورى
ـ مصطفى كامل مؤلف أغان
ـ الفنان الكبير حمدى أحمد
ـ الفنان سامح الصريطى
ـ أسامة الشيخ المخرج بقناة دريم
ـ السيناريست الكبير وحيد حامد
- هذه الشخصيات هى التى تمكنت من الوصول لزيارتنا فى السجن، هذا بخلاف الاخوة والزملاء بصحيفة 'الأسبوع' وأفراد العائلة.. أما من لم يتمكنوا من الوصول، وتمت اعادتهم لعدم حصولهم على تصريح زيارة فقد بلغ متوسطهم 50 فردًا يوميا، كانوا يأتون إلى منطقة طرة، ثم يعودون دون زيارتنا.. فشـكـرًا لهم جميعا.
- 8 -
رفاق السجن
فى عنبر المستشفى الذى أودعنا فيه داخل سجن مزرعة طرة كان معنا عدد من المسجونين بقضايا مختلفة، وبأحكام مختلفة.. ومن هؤلاء:
ـ د. محيى الدين الغريب وزير المالية الأسبق ( 8 سنوات)
ـ توفيق عبده إسماعيل وزير شئون مجلسى الشعب والشورى الأسبق (15 سنة)
ـ فؤاد عبدالمنعم هجرسى عضو مجلس الشعب الأسبق (15 سنة)
ـ إيهاب محمد ـ رجل أعمال ـ (3 سنوات)
ـ جلال عبدالمنعم ـ مخدرات ـ (مؤبد)
ـ أحمد جليل البندارى ـ مهندس ـ (6 سنوات)
ـ رامى إلياس سياج ـ رجل أعمال ـ (6 سنوات)
ـ ناجى السيد ـ ضابط شرطة ـ (15 سنة)
ـ أحمد محمود رياض ـ مهندس ـ (سنتان)
ـ ياسر سعودى ـ رجل أعمال ـ (12 سنة)
ـ أحمد هندى ـ محام ـ (3 سنوات)
ـ عمرو أحمد كامل ـ ضابط شرطة ـ (سنة)
ـ باسم محمد مسعود ـ ضابط شرطة ـ (سنة)
ـ محمد كامل عبدالصمد ـ رجل أعمال ـ (6سنوات)
ـ هشام محمود عبدالعزيز ـ تيار إسلامى ـ 15 سنة
ـ محمد يوسف مدنى ـ قطاع البترول ـ (3 سنوات)
ـ محمد رضا
ـ علاء الشنوانى ـ محاسب ـ (9 سنوات)
ـ د. محمد طارق إبراهيم ـ قضية اغتيال السادات ـ (مؤبد)
ـ حامد الشربينى (9 سنوات)
ـ صلاح عيد ـ رجل أعمال ـ (7 سنوات)
ـ محمود رشيدى ـ محاسب (10 سنوات)
ـ منصور عبدالرحمن ـ تاجر ـ (10 سنوات)
ـ هيثم محفوظ ـ جندى ـ (3 سنوات)
ـ ربيع محمد ـ جندى ـ (3 سنوات).
- 9 -
السجن - عالم من الإثارة.. والمرارة.. والمفارقات الباكية
- آلام،وآمال، وحكايات فى قصص محمود الرشيدى وطارق إبراهيم وياسر سعودى
- إخوان مسلمون، وجماعات إسلامية، ومحكومون فى قضايا متنوعة، تضمهم عنابر السجن والمستشفى
- ممارسة الرياضة عادة يومية.. والسجائر هى العملة الرائجة.. والمجلات 'بالإيجار' اليومى.
- مصطفى بكرى أول من ينام، وأول من يستيقظ، ولا يفارق المذياع الصغير لسماع الأخبار أولاً بأول
- قصة 'ماتش الكرة' الذى أصابنى بسبع غزر فى وجهى
- والدتنا رأتنا فى المنام محبوسين ليلة القبض علينا .. وأخفينا عنها الخبر 11 يومًا
- المسجونون السياسيون يشيدون بتطور السجون.. ويقدرون جهود العادلى واللواء سلامة
- المسجونون يناشدون الجهات المختصة مراجعة نظام الترحيلات اللاإنسانى
- إدارة السجن تمنت احتجاز الأبنودى لقفشاته الضاحكة .. وشائعة انطلقت باعتقال حمدى قنديل حين جاء لزيارتنا
- بصمات خاصة فى زيارات اللواءات منصور العيسوى وعبدالفتاح عمر ورفعت دنقل
- كنت أقرأ عن التائب أحمد راشد الذى ملأ الدنيا ضجيجًا، ثم اكتشفت أنه بائع الزبادى الذى يأتينا به كل مساء
فى عالم السجن.. تكثر الحكايات.. وتتناثر الروايات.. وحين رحنا أنا وشقيقى مصطفى ننصت لبعض أطراف حكايات المسجونين، تصورنا لبرهة من الوقت أن كل من اسمتعنا إليهم 'أبرياء'.. فهكذا راح كل من نسمع منه يصور الأمر من وجهة نظره ليؤسس موقفا يمنحه ولو براءة شكلية أمام رفاق السجن.
وبقدر تنوع الحكايات، وفصولها الدرامية، ومأساويتها.. بقدر ما يحمل عالم ما داخل السجن مؤشرات لأناس جاءوا إلى السجن.. لا لجريمة ارتكبوها.. بل لأن آخرين أكثر خبرة فى أمور النصب نجحوا فى دفعهم خلف الأسوار، بعد أن حاصروهم بأدلة كانت سند المحاكم فى إدانتهم.
ومن بين الحكايات التى لا تنتهى تأثرت شخصيًا بحكاية المحاسب محمود محمد الرشيدى الذى يقضى عقوبة السجن 10 سنوات بتهمة تزوير رخصة.. فقد أوقع به فى كمين أفضى إلى سجنه.. وقد قضى أكثر من 5 سنوات من العقوبة المحكوم بها عليه.. ولأنه يشعر ــ كما تعبر عن ذلك انفعالاته ودموعه التى لا تنتهى ـ بظلم مرير، فقد راح يقص حكايته بمرارة تكسو ملامحها كل حرف ينطق به.. وكأن إرادة الله أرادت أن تنصفه بعد كل هذه المدة خلف الأسوار.. فقد ظهرت مستجدات فى قضيته يمكن إذا ما أخذت مسارها الطبيعى أن ترفع عنه بعض ما يعانيه من آلام لا تهدأ.
وحكاية محمود الرشيدى ليست الوحيدة، فهناك من المآسى ما يؤكد لنا المثل الشعبى الذى يقول حقاً: 'ياما فى السجن مظاليم'.
وفى السجن فرصة لتسمع مباشرة للكثير من المحكومين فى قضايا كانت مثار جدل فى الإعلام لسنوات طويلة.. وها هم أطرافها المباشرون يقصون عليك الوجه الآخر من الحقيقة.. فالدكتور محمد طارق إبراهيم أحد المتهمين فى قضية اغتيال السادات والمسجون منذ اثنين وعشرين عامًا يحكى لك بلغة بالغة الإثارة كيف تمت عملية اغتيال الرئيس السابق، وكيف تعامل المتهمون مع الضباط والمحاكم المختلفة وكيف تبدلت الأحوال فى السجون منذ أوائل الثمانينيات وحتى اليوم.. ورجل الأعمال ياسر سعودى يروى بألم كيف أنه قضى عقوبة السجن ثلاث سنوات فيما سمى بقضية نواب القروض، وهى المدة التى حكم عليه بها سابقاً.. وحين أعيدت المحاكمة ذهب وهو لا يخالجه أدنى شك فى تأكيد ذات الحكم، وهو ما يعنى خروجه فورًا لقضائه العقوبة المقررة.. ولكن الحكم جاء على غير ما يشتهى.. فقد ارتفع الحكم من ثلاث سنوات إلى اثنتى عشرة سنة.. وفؤاد عبدالمنعم هجرس عضو مجلس الشعب السابق يروى بتسلسل منطقى، وبلغة يملك ناصيتها وقائع خافية فى قضايا شغلت بال المجتمع المصرى لفترة طويلة.
يتنوع المتهمون فى سجن مزرعة طرة بتنوع قضاياهم.. ففى عنبر (3) يتواجد عدد لا بأس به من المحكوم عليهم بأحكام تتراوح ما بين 3 و 5 سنوات من جماعة الإخوان المسلمين، فيما يخضع للتحقيق عدد آخر يتقدمهم الدكتور إبراهيم الزعفرانى أمين عام نقابة الأطباء بالإسكندرية.. أما الجماعات الإسلامية من مختلف التيارات 'جماعة إسلامية أو تنظيم الجهاد' أو غير ذلك فيكتظ بهم عنبر (3) و(4) أما ضباط الشرطة المحكومون فقد خصص لهم عنبر (5).. فيما تم توزيع بعض الشخصيات المضبوطين فى قضايا مختلفة على كل هذه العنابر، وخاصة عنبر (4).. أما من عرفوا باسم نواب القروض، فقد أودع أغلبهم فى عنبر (4)، وبعضهم الآخر فى مستشفى السجن.
الظاهرة اللافتة للنظر فى عالم السجن تكمن فى حرص المسجونين على ممارسة الرياضة يوميًا حرصًا على أجسادهم من التكلس جراء الفترات الطويلة التى يقضونها داخل الزنزانة.. وما أن يفتح الصول مفتاح والصول حبشى أبواب العنابر حتى ينطلق المسجونون عند السابعة والنصف صباحًا لممارسة التمرينات الرياضية والجرى لفترة محدودة من الوقت قبل أن يعودوا إلى زنازينهم مرة أخرى.. ومنذ اليوم الأول لإيداعنا سجن مزرعة طرة حرصنا أنا ومصطفى على ممارسة رياضة المشى بشكل يومى، ثم ما لبث أن تطورت إلى الجرى وممارسة التمرينات، ثم قفزت إلى ممارسة الرياضة، كنا نبدأ طابورنا الرياضى فى نحو السابعة والنصف.. كان من المعتاد أن يستيقظ مصطفى مبكرًا كعادته فى نحو الخامسة صباحا، حيث يتصفح بعض الكتب التى معه، ويستمع لآخر التطورات من المذياع الصغير الذى جاءه هدية من العميد محسن رمضان.. وحين يفتح باب العنبر أكون بصحبته أول الخارجين من عنبر المستشفى لممارسة الرياضة اليومية.
وقدكنا على موعد مع القدر يوم الأربعاء 18 يونيو، فبينما كنا نتدرب على لعب الكرة أنا ومصطفى ومعنا رجل الأعمال إيهاب برعى والمحامى أحمد الهندى.. وبينما كنت أحاول شق طريقى بالكرة بسرعة كبيرة انزلقت قدمى بشكل غير متوقع، ووجدت نفسى طائرا فى الهواء، ثم ما لبث أن سقطت على وجهى بشكل مثير.
كان شقيقى مصطفى هو الأقرب إلى مكان سقوطى، وما أن شاهد وجهى مخضبًا بالدماء حتى راح يبدى انزعاجه الشديد، مطالبًا بسرعة
- 10 -
نقلى إلى أى مستشفى خارج السجن، خاصة بعد أن تبين أن جرحًا فى الجهة اليمنى من الوجه بجوار العين اليمنى يحتاج إلى 'خياطة'.
فى تلك اللحظات تجمع حولى كل من كانوا قريبين منى، حيث انهمكن طارق إبراهيم المسجون فى قضية السادات، فى وضع الكمادات المثلجة حتى لا تتورم المنطقة المحيطة بالعين، وتم استدعاء أحد المسجونين من التيار الإسلامى وهو جراح يدعى 'د. سعد' قبل أن يتم استدعاء أحد كبار جراحى السجن وهو الدكتور هانى إسكندر، الذى وصل فى وقت قياسى، حيث أجرى سبع غرز للجرح بمهارة كبيرة.
فى هذه الأثناء.. تم ابلاغ إدارة السجن بما حدث، فتم على الفور انتقال ضباط الإدارة لمتابعة الواقعة، فلم تمض دقائق حتى وصل الرائد شيرين رئيس المباحث، وتبعه العميد سمير عبدالغفار مأمور السجن، ثم المقدم محمود البساطى ضابط المباحث بالمنطقة.
كنا نعرف أن والدتنا سوف تزورنا فى هذا اليوم.. وكان توقعنا بأن رؤيتها لى والضمادات فوق وجهى سوف تزيدها تعبًا على تعبها.. لذا ا ستغل مصطفى وجود أحد الشخصيات الزائرة للسجن، فطلب منه الاتصال بزوجته، وإبلاغها بالتصرف بأية طريقة ومنع الوالدة من زيارتنا بالسجن اليوم، طالبًا منه توضيح صورة ما حدث لزوجته، وطمأنتهم أن المسألة بسيطة.
كان هدفنا من وراء هذا التصرف هو إبعاد والدتنا عن المزيد من المتاعب الصحية التى بدأت تتزايد عليها فى تلك الأيام.. ففى كل أزمة نتعرض لها تدفع هى ثمنها من صحتها، وفى الأزمة الأخيرة كان الثمن مضاعفاً..
لقد تعودنا منذ زمن طويل أن يكون أحد واجباتنا الأساسية اليومية هو الاتصال بوالدتنا حيث تقيم فى منزل العائلة بقنا، لطمأنتها، خاصة أن الأزمات المتعددة التى مررنا بها فى مسار نضالنا، وفى مشوارنا أصابتها بهاجس دائم من القلق.. فغيابنا عن الاتصال بها، ولو ليوم واحد تفسره بالشىء غير الطبيعى، الذى إما أن يكون مرضًا، أو سفرًا لمكان خطر، أو حبسًا فى معاركنا الصحفية الممتدة.. ومن المثير أنها تمتلك شفافية غريبة، تكشف من خلالها رؤية قريبة لما نتعرض له دون أن نبلغها بذلك.
ففى بدايات هذا العام كان شقيقنا 'أحمد' يجرى عملية لزرع الكلى فى مستشفى وادى النيل.. وقد قررنا جميعًا ــ كما هى العادة ــ أن نخفى عنها الخبر لحين شفائه.. ولكن حين رحنا نحادثها بالتليفون لإعطائها مزيدًا من التطمينات صباح هذا اليوم، فوجئنا بها تسأل عن 'أحمد' وحين تساءلنا عن سبب هذ السؤال الخاص الملح.. قالت إنها حلمت الليلة السابقة أنه متواجد على سرير أبيض بملابس بيضاء، وأن اثنى عشر شخصًا يحيطون به.. وكانت المفاجأة حين سألنا عن عدد الأطباء والمساعدين الذين أجروا العملية أن علمنا أنهم نحو هذو العدد من جراحين وأطباء تخدير ومساعدين وغيرهم.
وحين تم القبض علينا فى الثانى من يونيو الماضى فى قضية النشر، وعند نحو الثامنة صباحًا، وبينما كانت اجراءات تنفيذ الحكم تتواصل فى قسم حدائق القبة، حاولنا طمأنتها عبر تليفون شقيقنا عبدالحميد الذى جاء لزيارتنا.. وبينما كان شقيقى مصطفى يحدثها لطمأنتها، خاصة أننا لم نكن نعرف متى سنراها مرة أخرى.. جاءه صوتها حزيناً وحائرًا ــ كما روى لى ــ وسألته عما حدث له ولى، وحين طمأنها بأن لا شىء قد حدث.. قالت له فى لغة صارمة: 'لقد حلمت الليلة أنك ومحمود نائمان على سريرين بجوار بعضكما، وأنكما محجوزان، وفى ضيقة'.
حتى هذه اللحظات لم نكن ندرى أين سيكون محبسنا، ولكن حين أودعنا سجن مزرعة طرة، كانت المفاجأة هى أن هناك بالفعل سريرين متجاورين خصصا لنا فى عنبر المستشفى بالسجن.
وبقد تزايد يقيننا يومًا بعد يوم، وأزمة بعد أزمة بشفافية والدتنا المثيرة، بقدر ما كان حرصنا على إبعادها عن همومنا المتتالية أمرًا نتشارك فيه جميعًا كأشقاء، سواء المقيمون فى القاهرة 'مصطفى وأنا وعبدالحميد والقاضى جمال بكرى' أو المقيمون فى بلدتنا 'المعنى' بقنا 'أحمد وناصر وشقيقتانا اللتان تتحملان العبء الأكبر فى إحاطة الوالدة، ومحاصرتها خلال فترات الأزمات، حتى لا تصلها الأخبار السيئة'.
مثل هذا الحرص هو الذى دفعنا فى أزمة حبسنا الأخيرة لأن نخفى عنها الخبر 'رسميًا' وظلت ورغم يقينها الداخلى تجهل تحديدًا ما الذى جرى لنا، حتى كان اليوم الحادى عشر من سجننا، حيث رأينا فى اطمئنانها علينا ونحن داخل السجن، أفضل كثيرًا من تركها أسيرة لمشاعرها المتضاربة، خاصة بعد أن انقطعنا عنها تمامًا.. ولم يعد ثمة اتصال بيننا وبينها.
فى يوم الخميس 12 يونيو، وهو اليوم الحادى عشر لحبسنا، أرسلت إلينا إدارة السجن عند نحو العاشرة والربع صباحًا لوجود زيارة لنا.. على الفور توجهنا إلى مبنى الإدارة.. وكانت المفاجأة أن وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع والدتنا.. كنا نرتدى ملابس السجن الزرقاء.. وكان المنظر وحده كفيلاً ببعث الأسى فى نفس والدتنا التى كانت غارقة فى بكاء مرير.. فقد جاءت قبل لحظات فقط بعد وصولها من البلد بنحو الساعة، وكان بصحبتها شقيقنا أحمد وشقيقتانا وشقيقنا الأصغر ناصر.
رغم كل محاولاتنا لطمأنتها، إلا أن قلبها لم يستقر إلا حين تقدم منها مأمور السجن العميد سمير عبدالغفار ليسلم عليها ويطمئنها فى
- 11 -
تصرف إنسانى نبيل أقدم عليه أعاد لوالدتنا إحساسًا بالأمان كانت تفتقده منذ علمت أننا مودعان فى سجن طرة الذى يبعث على الرعب وفق مفاهيم آبائنا وأمهاتنا، أكثر مما يبعث على الارتياح.
كانت المعاملة الإنسانية داخل السجن التى لمستها والدتنا، وأفراد أسرتينا خلال زياراتهم لنا هى نتاج ومحصلة سياسة فريدة يقودها السيد/حبيب العادلى وزير الداخلية.. وهى سياسة وضعت السجون الآن فى مرحلة مختلفة تماما عما كان فى السابق.. فالسجين يعامل بما يليق بآدميته فى غالبية السجون المصرية.. بل وامتدت هذه المعاملة بشكل إيجابى وبناء فى التعامل السياسى مع المسجونين فى القضايا السياسية، خاصة من الجماعات الإسلامية المختلفة، والذين استمعنا للعشرات منهم يشيدون بالأداء الأمنى بالغ الذكاء الذى يقوده اللواء صلاح سلامة مساعد الوزير لقطاع أمن الدولة، والذى كان له أبلغ الأثر على استقرار الأوضاع الأمنية فى البلاد على مدار سنوات طويلة مضت.
وفى هذا تبدو القضية الأساسية التى تشغل عناصر الجماعات الإسلامية ممن أجروا مراجعة تامة لأفكارهم وأصبح غالبيتهم يسمون بالتائبين، وخاصة أولئك الذين قضوا سنوات طوالاً خلف الأسوار هو أن تبادر الدولة المصرية، وبعد أن استقرت الأوضاع، وتبددت الأفكار السابقة فى أن تطلق سراحهم، حتى يقضو ما تبقى لهم من عمر بين ذويهم وأفراد أسرهم الذين حرموا منهم طويلاً. هذه السياسة الجديدة فى قضية التعامل مع السجون، والمسجونين كانت الدافع الاساسى وراء القرار الذى أعلنه السيد حبيب العادلى وزير الداخلية بالتحقيق مع عدد من ضباط مباحث تنفيذ الأحكام لقيامهم بتنفيذ أمر القبض علينا فجرًا، وهو ما يتعارض مع الدواعى الاجتماعية والإنسانية التى أكد عليها وزير الداخلية.
وتمثلت هذه السياسة أيضا فى انتقاء نوعية معينة من الضباط لإدارة السجون، حيث يدير منطقة سجون ومزرعة طرة عدد من الضباط الذين يتمتعون بوعى ثقافى وفكرى رفيع المستوى، فالعميد محسن رمضان والمقدم محمد العشماوى من ضباط أمن الدولة المتمرسين على إدارة الحوارات السياسية والفكرية، وضباط إدارة السجن يمتلكون وعيًا ثقافيًا وسياسيا عاليايبدو أنه كان الحافز لاختيارهم للتعامل مع هذه النوعية من المسجونين.
لقد تجلى ذلك بوضوح حين قام الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى بزيارتنا فى السجن، حيث جلس لفترة من الوقت مع ضباط الإدارة الذين أداروا معه حوارًا مثيرًا حوله الأبنودى بروحه المرحة، وخفة ظله إلى حوار 'قفشات' يجيد الإمساك بها بشكل مثير.. حتى أن الضباط كانوا يتمنون لوأن الأبنودى سجين لكان أضفى على جو السجن حالة من الكوميديا المفقودة.
أما الإعلامى القدير حمدى قنديل، فحين جاء لزيارتنا خلف وراءه تساؤلات حائرة وسط جمهور المسجونين.. حيث يبدو أن عملية منع برنامجه 'رئيس التحرير' من التليفزيون المصرى، وضعته فى خانة 'المغضوب عليهم' والمؤهلين لدخول السجن.. ففى مساء زيارته وبينما كنت اتجاذب أطراف الحديث مع بعض المسجونين ومنهم هشام محمود عبدالعزيز ومحمد يوسف مدنى، تطرق الحديث إلى حمدى قنديل إلى سجن المزرعة.. وحين رحت استغرب هذا السؤال، وأقول له إن حمدى قنديل وبرنامجه الشهير الممنوع راح هشام يسألنى عن التهمة التى جاء من أجلها حمدى قنديل جاء فقط لزيارتنا، ولم يأت متهما أو مقبوضا عليه.. راح يقول لى 'أنت كده فسرت لى الموقف لقد انشغل السجن طوال النهار بترديد شائعة أن حمدى قنديل جاء مقبوضا عليه، وأن الحيرة التى تتملك جميع المسجونين هى أن أحدًا لا يعرف العنبر الذى أودع فيه'.
كان ترديد هذه الاشاعة فى حد ذاته، هو تأكيد أن عالم السجن، وبرغم كل ما به، يتفاعل مع ما يدور فى الخارج.. ويعتبر أن احتمالات القبض على المخالفين فى الرأى، أو أصحاب المواقف هو أمر وارد فى كل لحظة وحين، بالرغم من أن الأمر بالنسبة لنا كان يتعلق بتنفيذ حكم قضائى.
ومن الأمور المثيرة التى عشناها خلال فترة السجن أن عددًا من القيادات السابقة فى الأجهزة الأمنية كان لهم وقعهم الخاص خلال زيارتهم لنا فالعميد سمير عبدالغفار مأمور سجن المزرعة عمل ضابطا فى فترة تولى اللواء محمد عبدالفتاح عمر موقع مدير أمن الغربية، حيث كان احتفاء المأمور باللواء عبدالفتاح خلال زيارتنا بالسجن واضحا.. أما اللواء منصور العيسوى مدير أمن القاهرة ومحافظ المنيا الأسبق فعدد لا بأس به من الضباط عملوا تحت إمرته.. أما فاكهة الزيارات فتمثلت فى اللواء رفعت دنقل حكمدار فرق الأمن الأسبق، والذى تصادف أنه يعرف عددا من ضباط السجن بالاسم، ولايزال يذكرهم بدقة منذ أن عملوا معه.. وكان لوقع 'تخريجاته' التى يتمتع بها ناهيك عن روح الدعابة التى تكسو شخصيته أثرها فى رسم البسمة فوق شفاه من شاهدوه فى تلك اللحظات.
فى حياة السجن صور مثيرة لحياة وفقت أوضاعها خلف الأسوار.. ووضعت أسس تواصلها لفترات تمتد من الحكم لمدة سنة وحتى السجن المؤبد، حيث يقضى الإنسان حياته أو ما تبقى له داخل جدران السجن لا يبرحه إلا لسبب قهرى، كالعلاج فى مستشفى المنيل الجامعى، أو لحضور احدى جلسات المحاكم أو للتحقيق أمام النيابات بالنسبة لمن هم رهن التحقيق، أو لحضور جلسة نقض لمن صدرت فى شأنهم أحكام باتة.
- 12 -
وعلى الرغم من رضاء المساجين عامة على المتغيرات والتطورات التى شهدتها السجون المصرية، والتى أعادت للإنسان الشعور بكرامته فى محنة السجن، إلا أن عملية ترحيل المساجين، سواء إلى المحاكم أو النيابات أو غيرها مما يتطلب خروج المتهمين أو المحكومين تتطلب وقفة خاصة. فسيارات الترحيلات التى تحمل المساجين تفتقد للمقومات الإنسانية الأساسية، حيث يجرى تكديس المساجين بأعداد تفوق كثيرًا قدرة سيارة الترحيلات على الاستيعاب، ناهيك عن خلوها من أية مقاعد أو دكك يمكن أن يستريح فوقها من هم من المرضى أو كبار السن، اضافة إلى أن سيارة الترحيلات الواحدة تنقل المساجين من عدة سجون مختلفة، فى وقت واحد، وتنتقل بهم إلى عدة نيابات ومحاكم حيث يتطلب ذلك لمن هو ذاهب للعلاج بالمستشفى مثلا انتظار كل الوقت الذى سيقضيه الآخرون فى النيابات والمحاكم.
ومن المشكلات التى تثيرها سيارة الترحيلات بالاضافة لكل ذلك، هو ما يتحمله المسجونون من متاعب إذا ما قدر للسيارة أن تتعطل فى الطريق، وقد حكى لنا أحد المحكومين فى سجن المزرعة أنه ومن معه كانوا سيقضون أجلهم بسبب الحر حين تعطلت بهم السيارة على طريق الأوتوستراد وهى فى طريقها لحوان لنقل بعض المتهمين.. حيث استغرقت عملية اصلاحها ما يقارب الساعتين، قضاها السجناء بأعدادهم الكبيرة فى صندوق السيارة الملتهب والمغلق من الخارج، والتى شاء القدر أن تتعطل فى عز الحر، وفى أجواء خانقة للغاية.. ولقد طلب منا الكثيرون ممن يعانون مشكلة الترحيلات تلك أن نرفع أصواتهم مناشدين السيد وزير الداخلية والذى أعاد للمسجون اعتباره وكرامته داخل السجن أن يمد هذا الاعتبار وتلك الكرامة إلى عمليات الترحيل التى تشكل عاملا مرهقا ومؤلما للمسجونين المختلفين.
وإذا كانت مشقة الترحيلات تشكل قلقا متواصلا لمن يعانون آثارها، فإن الحياة داخل السجون المصرية تسير وفق نظام إدارى دقيق ومحكم.. فمنذ وصولك لباب السجن تخضع لاجراءات ولوائح مختلفة عن تلك التى تعيشها فى الخارج.. وحين دخلنا سجن المزرعة كان أول اجراء اتخذ معنا هو تجريدنا من ملابسنا المدنية وارتداء الملابس الزرقاء المخصصة للمحكومين وتلا ذلك تجريدنا مما معنا من أموال، حيث أودع جزء منها أمانات السجن، فيما تم تسليم جزء آخر لأصحاب الكافيتريا والبقالة الداخلية للسجن والتى يتولاها المسجونان 'صبرة' و'مقبولى' وكلايهما من عناصر الجماعات الإسلامية سابقا.. على أن يترك لك قضاء مصالحك داخل السجن من مأكل ومشرب وملبس بالسحب على تلك الأمانات.. أما وسيلة التعامل بين المسجونين فى الداخل فتعد السجائر هنا هى العملة الأساسية الرائجة التى تحقق كل الأهداف، وتنجز المطالب الضرورية.
وعلى الرغم من أن ان الزى الرسمى هو 'بدلة السجن' الزرقاء التى تمنحها الإدارة إلا أن الغالبية العظمى من المسجونين تعتمد فى انتقاء ملابسها الزرقاء بتدرجاتها المختلفة على ترزى السجن عمرو ابراهيم المحكوم عليه بالمؤبد فى محاولة اغتيال نجيب محفوظ حيث يستطيع فى لحظات أن يوفر لك ما تشاء من قمصان أو بنطلونات أو تى شيرتات متقيدا فى ذلك باللون الأزرق المحدد للمحكومين كما يتولى والطاقم المعاون معه كى ملابس المسجونين التى تقوم على شأن تنظيفها مغلستان كبيرتان يتولى إدارتهما عدد من المحكومين فى قضايا الجماعات الإسلامية.
ولأن السجن أصبح مؤسسة متكاملة للاكتفاء الذاتى، فيمكنك انتقاء 'الشوز' الذى يناسبك من المسجون هشام محمود عبدالعزيز الذى يدير ورشة لتصنيع الأحذية، وإذا أردت منضدة للطعام أو القراءة، أو كرسيا للجلوس عليه فعليك بأحمد سليم صاحب ورشة الموبيليا داخل السجن.. وإذا أصاب نظارتك سوء فعليك بالسجين أحمد إمام لإصلاحها.. أما الشيخ صلاح فهو بارع فى تصميم البراويز التى يمكن أن تستغلها كهدايا للمقربين منك.. وقد اشترينا منه بروازًا انيقاً دفعنا فيه خمسين جنيها بعد أن أكرمنا فى سعره وخصم لنا خمسة وعشرين جنيها حين حلت مناسبة عيد ميلاد نجلى 'خالد'الذى لم استطع أن أتجاهل مناسبة عيد ميلاده تمر دون الاحتفاء به، كما هو حال كل عام.. حيث أقمنا له أنا وعمه مصطفى حفلاً قدمنا له خلاله هدايا من صنع ورش السجن.
ومن عادات السجن أن تؤجر درجا أو اكثر من الثلاجات التى يملكها المسجونون بمبالغ متفق عليها، حيث تستطيع أن تحفظ فيها زجاجات المياه المثلجة، والعصائر، والمأكولات الزائدة.. التى تأتيك كمياتها المحددة يوميا وفقا للنظام المتفق عليه مع صاحب الثلاجة نظير أجر شهرى.
وفى سجون اليوم يمكنك أن تدفع اشتراكا شهريا حتى تصلك الصحف التى تطلبها بانتظام، خاصة الحكومية منها، ويعرف السجن بالاضافة لذلك نظام تأجير المجلات المتخصصة، حيث يمر عليك كل يوم أحد المسجونين حاملا كمية لا بأس بها من المجلات التى يؤجرها لقراءتها لمدة يوم واحد، ثم يستردها زهاء مبلغ معلوم فى اليوم التالى، على أن يخصم المبلغ من الأمانات مع نهاية كل شهر. ومن المفارقات التى شهدتها فى سجن المزرعة أننى ظللت أقرأ كتبا ومقالات حول مراجعات الجماعة الإسلامية وقضية التائبين.. وتوقفت فى قراءاتى الصحفية عند المحكوم عليه أحمد راشد الذى كان قد أعلن توبته قبيل بضع سنوات، وتحول إلى نجم تليفزيونى بعد أن كشف علاقاته السابقة بالجماعات الإسلامية وأوكارهم، وأفردت له الصحف والمجلات المختلفة صفحات مطولة للحديث عن تجربته فى صفوف الجماعات الإسلامية.
كان الحديث يشغلنى عن هذا المحكوم الذى تساءلت عن مصيره وتوقعت الافراج عنه وأين هو الآن.. ولكم كانت الإجابة مثيرة لى حين علمت أن أحمد راشد الذى اسأل عنه هو بائع الزبادى الذى يأتينا بها فى نحو الخامسة من مساء كل يوم، وقبل أن يغلق عنبر المستشفى أبوابه.
حين تغرب الشمس.. وتغرق المنطقة فى الظلام.،. وما أن يقترب الليل من منتصفه حتى يعم السكون منطقة السجن.. فى هذا الوقت تترامى إلى مسامعك من بعيد أصوات العساكر المنطلقة من أبراج الحراسة المحيطة بالسجن.. كل يصرخ فى البرية معلناً أنه 'تمام' أى يقظ فيما يرد عليه زميله الذى فى البرج الآخر، ثم الذى يليه.. وهكذا تتواصل الأصوات فى عتمة الليل.،. حيث تلقى بأصدائها فوق أجواء المنطقة المكتظة بالسجون.. وتظل تصدح حتى تسطع أشعة يوم جديد. وتتعالى نسمات صبح جديد فى عالم ما خلف الأسوار.
- 13 -
مفارقات مثيرة .. وعالم من الغرائب .. والحكايات الخلابة
من عجائب القدر: مصطفى بكرى وماهر الجندى يتبادلان نفس السرير فى عنبر المستشفى
الأستاذ هيكل تابع قضيتنا لحظة بلحظة.. ومكتبه عرض خدماته الكاملة على أسرتينا
إبراهيم نافع أدار الأزمة بامتياز.. وسامح عاشور كان يجرى الاتصالات من المغرب لمعرفة تطوراتها
وحيد حامد زارنا يوم فوزه بالتقديرية .. ولم نعرف بالخبر إلا بعد مغادرته
طابور الصباح الرياضى حال دون مقابلتى للفنانة سناء يونس .. وتأهبنا للقاء الشاعر الكبير فاروق جويدة لمدة يومين
زيارة مثيرة للواء سفير نور ود.نبيه العلقامى ومؤلف أغنية 'بابا فين'
الوقفة البطولية للصحفيين تجسدت فى زيارات من كل الصحف والمؤسسات والنقابة
لواء نبيل لوقا بباوى جاءنا بمؤلفاته ووزعها على إدارة السجن .. ووفد من قنا برئاسة د.أنور رسلان أوفده فكرى مكرم عبيد
محامون وفنانون ومثقفون كان لوقفتهم أثرها الفاعل فى نفوسنا
شاهد يروى لنا قصة الساعات التى سبقت وفاة محمود نور الدين داخل سجن المزرعة
فى عالم السجن يكتسب كل سجين سمات خاصة به .. تتجسد ملامحها فى تصرفات وسلوكيات تعكس الطابع الخاص لشخصيته .. وكلما طال أمد السجن .. تبينت الملامح الخاصة لشخصية السجين، وتكشفت كل تفاصيلها العميقة.
بعض من يتأقلمون مع عالم السجن تبدو تصرفاتهم انعكاسًا لما يعيشونه من حياة يومية .. وبعض الرافضين لواقع السجن تبرز سلوكياتهم رافضة، وممتعضة .. وغير قادرة على التجاوب مع متطلبات حياة ما خلف الأسوار.
المهندس أحمد البندارى الذى يقضى عقوبة السجن فى مستشفى المزرعة هو نموذج لمن اندمج مع حياة السجن .. فتراه دائمًا 'ابن نكتة' لا يتوانى عن الضحك فى اكثر المواقف صعوبة .. يصحو مبكرًا كل يوم، ويعشق سهر الليالى .. فيما يقضى غالبية نهاره أسيرًا للنوم .. وقد اتخذ البندارى لنفسه موقعًا متميزًا فى أحد أركان عنبر (أ) بالمستشفى، وحوله إلى ما يشبه الجمهورية المستقلة التى يقضى فيها فترة عقوبته .. وقد لا يسمعك حين تمر من أمامه ملقيًا عليه السلام، حيث وضع سماعات الراديو فى أذنيه، ولم يعد يسمع سوى أم كلثوم وهى تشدو، أو عبدالحليم حافظ وهو يغنى.
وبرغم حياة السجن التى تتطلب شظف العيش، إلا أن البندارى يصمم على أن يعيش حياته، فتراه لا يشرب إلا سجائر المارلبورو، ويأكل وفق نظام غذائى خاص به .. ويمتلك صراحة فى النقاش والحوار غير معهودة، فهو لا يخجل أبدًا من مواجهة أى شخص بأخطائه، مهما يكن مركزه، وأيا كانت النتائج.
وقد تعرضت لموقف غريب مع البندارى .. فحين دخلنا إلى عنبر المستشفى بالسجن أنا ومصطفى، كان البندارى من أوائل المسجونين الذين جاءوا للترحيب بنا ليلة وصولنا .. وقد رأيت فيه رجلاً كهلاً يشارف الثمانين من عمره .. فقد أطلق شاربه، ولحيته البيضاء التى امتدت إلى صدره .. هكذا عرفناه منذ يوم دخولنا السجن .. إلا أنه وبعد مضى أكثر من أسبوعين، وبينما كنا عائدين من طابور الرياضة الصباحى، فوجئت بشخص ذى ملامح غريبة يتجول فى العنبر المسجونين فيه .. وهو أمر غير معتاد .. وحين أبديت دهشتى لهذا الغريب الذى توقعته سجينًا جديدًا حل اليوم على السجن .. فأجأنى شقيقى مصطفى بالقول: 'دا .. المهندس أحمد البندارى .. وحين سألته: كيف عرفت؟ أجاب: من شبشبه الذى يرتديه فى قدمه، أما رامى إلياس سياج ـ رجل الأعمال ـ وأحد أصحاب فندق سياج بيراميدز الكائن بمنطقة الهرم .. فيبدو أنه لم يتعود على طريقة الأكل بالسجن .. فعند المواعيد المحددة لتناول وجباته الغذائية، تجده وقد أعد المائدة الخاصة به إعدادًا جيدًا .. وأعد معه مشهياتها من كاتشاب، وبهارات، وغير ذلك، ولا يأكل إلا وبيده الشوكة والسكينة 'البلاستيك' حيث يضفى على نظام أكله ذات أجواء حياة الفنادق والعالم الخارجى.
- 14 -
أما حامد الشربينى والذى يوجد فى عنبر (ب) بالمستشفى، فتشعر وأنت تحاوره، أو تسمع منه، وكأنك أمام شخص مطلع على كل العالم الخفى للدنيا .. وهو يروى بتلقائية بعض المحطات المثيرة فى حياته، وكيف تعرض لمآزق شتى .. غير أنه نجح فى اجتيازها بسهولة .. مستخدمًا قدراته الهائلة فى إقناع الآخرين بغير الحقيقة.
ومن المواقف الطريفة التى تعرض لها حامد الشربينى، وراح يقصها علينا بتلقائية شديدة هذا الموقف الذى تعرض له يوم صدر أمر بحبسه من المحكمة المختصة .. فقد أضمر فى نفسه الهرب من داخل المحكمة .. وحين فوجىء بالحكم الذى يبدو أنه كان يتوقعه .. صور الأمر لجنود الحراسة، وكأنه حصل على البراءة، حيث راح يوزع عليهم الإكراميات، قائلاً لهم: 'شربات البراءة' واتجه بثقة يحسد عليها إلى سيارة كانت تنتظره على مقربة، حيث انطلق بها بعيدًا مختفيًا وسط الزحام فى لحظة خيم فيها الذهول على كل من كانوا يعلمون بإدانته وسجنه.
وإذا كانت السجون تستضيف أناسًا يتسم بعضهم بالفظاظة والعنف، بيد أنها وعلى الجانب الآخر تضم فى جنباتها من هم فى قمة الرقة .. فالمهندس أحمد رياض والمسجون لاتهامه فى قضية مخالفات المبانى بعمارة 'ويصا' الشهيرة، والتى سقطت فى مصر الجديدة قبيل سنوات يعيش جل وقته فى السجن لمتابعة شئون وحياة المواليد الصغار الذين تنجبهم القطط، والتى تتكاثر بشكل مثير داخل عالم السجن، أما ضابط الشرطة السابق ناجى أبو المعاطى فتجده يقف فى معظم الليالى خلف باب عنبر المستشفى المغلق، ويبدأ فى إطعام القطط التى ما إن تشم رائحة اللحم الذى يلقى إليها خارج الباب حتى تأتى مهرولة من كافة أرجاء السجن لتستمتع بوجبة شهية من اللحوم.
والملاحظ داخل السجن أن كل فرد سجين، أو مجموعة قد وطنوا أنفسهم على قضاء العقوبة، أو انتظار الفرج بشكل منظم ودقيق، فحين نستيقظ فى الصباح الباكر كنا نشاهد الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل غارقًا فى الكتابة، وحين سأله مصطفى فى إحدى المرات عما يكتب، قال إنه يدون مذكراته منذ التحاقه بتنظيم الضباط الأحرار، وحتى دخوله السجن، وأنه يأمل فى إصدارها فى ثلاثة كتب مستقلة .. أما الوزير د.محيى الدين الغريب، فيبدو وهو يرتدى نظارة القراءة ويراجع بعض الأوراق، وكأنه يدير عمله فى مكتبه .. وحين تابعنا ما كان يشغله خلال فترة حبسنا، علمنا أنه منكب على دراسة حيثيات الحكم الأخير ضده بالسجن استعدادًا للطعن عليه بالنقض .. أما المحامى أحمد الهندى، والذى تربطه علاقات واسعة خارج السجن بالعديد من الشخصيات المهمة .. فيتسم بالنظام والانضباط الشديدين .. وتجده دومًا وقد أعد ملفاته بشكل مرتب .. فيما تتزايد لديه الثقة أن الأيام ستكشف براءته، وسيخرج من السجن عائدًا إلى عالم ما خارجه قريبًا.
ومن المفارقات الطريفة فى عالم السجن هو ما روى لنا من حكايات عن ماهر الجندى محافظ الجيزة السابق .. والذى كان مودعًا بنفس العنبر الذى أودعنا فيه .. فقد روى لنا البعض كيف كان يذرف الدموع لعدم تعوده على حياة السجن .. وقد كان من مفارقات القدر أن شقيقى مصطفى، والذى كان الزميل مجدى شندى أول من نشر التحقيقات فى قضية ماهر الجندى، والتى كان نشرها سببًا فى وصوله للسجن احتل ذات السرير الذى كان يقيم عليه الجندى خلال وجوده بعنبر المستشفى بالسجن، وقبل الإفراج عنه بعد أن قررت محكمة النقض إعادة محاكمته.
وخلال وجودنا بالسجن .. وبينما كانت المحكمة تعيد محاكمته سرت إشاعة قوية فى داخل السجن بأن المحكمة أمرت بالقبض عليه وإيداعه السجن .. وهنا تكهرب الجو، سواء داخل عنبر السجن، أو داخل إدارة السجن، حيث يعلم الجميع مدى الخصومة بين مصطفى بكرى وماهر الجندى .. إلا أن الشائعة سرعان ما تبددت.
وكان من عجائب القدر أن تأمر المحكمة بالقبض على ماهر الجندى وإيداعه السجن بعد خروجنا بأيام قليلة .. وكان من المفارقات أن يعود الجندى ويحتل ذات سريره السابق الذى احتله مؤقتًا مصطفى بكرى.
ومن أكثر ما آلمنا داخل السجن حالتان لاثنين من المسجونين فى قضايا مختلفة .. أما الأول فهو محمد كامل عبدالصمد، والذى يعتبر سجنه مضاعفًا لكونه يعيش حياته فوق كرسى متحرك، الأمر الذى يثير حالة من الرثاء إزاء حالته .. فمثل من هو فى حالته يعانى من القدرة على الحياة خارج السجن، فما بالك بداخله .. ولكن مما يخفف من آلامه أنه يقضى جل وقته يتسلى وهو فوق كرسيه المتحرك بلعبتى 'الدومينو' و'الشطرنج' .. ومما يهون عليه حركته أن الله سخر له السجين الشاب هيثم محفوظ أحمد والمتهم بالتهرب من الخدمة العسكرية لمعاونته فى حركته وتنقلاته.
أما رجل الأعمال السابق محسن جابر، والذى كانت لديه مصانع تقدر قيمتها بنحو ستين مليونًا من الجنيهات .. فلم يعد يمتلك من ذكريات الدنيا سوى بقايا إنسان، وأسرة تعانى ويلات الفراق بعد سجنه، وبعد أن تبدل الحال وانقلب.
الحياة فى السجن تسير وفق وتيرة منضبطة .. فما بين الساعة السابعة والنصف صباحًا وحتى الخامسة والنصف مساء تسير الحياة خارج العنابر بعد فتحها وقبل إغلاقها .. وما بين داخل العنابر وخارجها يتعامل المسجونون وفق نظام صارم يشبه إلى حد كبير نظام اللوائح غير المكتوبة .. فاستخدام الحمامات مثلا، يتم وفق نظام يجرى الاتفاق عليه، حيث يتم توزيع المساجين على الحمامات وفقًا لنظام تقسيم
- 15 -
داخلى يهدف إلى الحفاظ على نظافة الحمامات، ومنع تكدسها .. وقد كان من حظى أن تقرر أن أستخدم أحد الحمامات الذى يشاركنى فيه الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل والنائب السابق فؤاد عبدالمنعم هجرس والسجين محمد رضا والدكتور طارق ابراهيم أحد المتهمين فى قضية اغتيال السادات، بينما كان من نصيب شقيقى مصطفى مشاركة الدكتور محيى الدين الغريب وزير المالية السابق وآخرين حمامًا آخر.
وقد تعود المسجونون على أن يصلوا جماعة فى صالة عنبر المستشفى، حيث يحمل كل منهم سجادة الصلاة الخاصة به عند كل صلاة ويؤم الصلاة فى أغلب الأحوال الشيخ السجين منصور عبدالرحمن، وفى بعض الأحيان الدكتور طارق إبراهيم الذى يتميز بصوته الساحر فى قراءة القرآن، أما صلاة العصر فيؤمها فى الغالب الوزير السابق محيى الغريب، فيما تقع مسألة إقامة الصلاة على النائب السابق فؤاد هجرس.
أما صلاة الجمعة داخل السجن فتتم فى مسجد السجن، حيث تتم الاستعانة بشيخ من الأوقاف لإلقاء الخطبة وإقامة الصلاة التى يشارك فيها كافة المساجين من العنابر المختلفة، ويحضرها فى الغالب ضباط من إدارة السجن كالمأمور العميد سمير عبدالغفار، أو نائب المأمور العقيد أسامة أبو الهيثم أو مفتش المباحث العقيد سمير سالم أو المقدم محمود البساطى الذين يتسمون بقدرة هائلة على إدارة الحوار لتنوع ثقافاتهم وتعدد قراءاتهم.
ولأن بعض المسجونين كجماعة الإخوان وغيرهم لا يسمح لهم عادة بمغادرة عنابرهم فى معظم أيام الأسبوع، باستثناءات قليلة، فإن يوم الجمعة يعد بمثابة يوم التلاقى بين المساجين من العنابر المختلفة.
وفى يوم الجمعة تتعطل الحياة داخل السجن، حيث تغلق الورش والكافيتريا أبوابها .. وتقل حركة البيع والشراء، ويقبع المسجونون معظم النهار داخل عنابرهم .. أما فى باقى أيام الأسبوع، فإن الحياة تدب بقوة فى كافة أرجاء السجن .. وتنشط حركة التجارة، من بيع ملابس إلى شراء السلع واللوازم الضرورية، إلى غسل الملابس وكيها، وغيرها من دروب الحياة داخل السجن.
وقد اعتدنا أنا ومصطفى أن ننزل ضيوفًا لبعض الوقت على منطقة الكافتيريا، حيث نجلس تحت شجرة كبيرة تظلل المكان ونشرب الشاى، وقد اخترنا منذ البداية يوم الجمعة من كل أسبوع أن نتناول 'الفول والطعمية' كوجبة إفطار لهذا اليوم .. وكان النزلاء محمد إبراهيم وهشام عبدالعزيز وصبرة يقومون بالواجب وزيادة معنا .. وخلال تواجدنا معهم داخل الكافتيريا كنا نشاهد بعض المساجين يدخلون إلى منطقة البقالة، يلقون علينا بالسلام، ثم يتجهون ليأخذوا بعض السلع كالمعلبات وغيرها، ثم يرحلوا .. وكنا نشاهد فى الوقت ذاته كلا من صبرة أو محمد إبراهيم يسجلان فى دفتر خاص الأسماء والسلع الخارجة .. وقد علمنا أن هذا النظام متعارف عليه داخل السجن، فمن يريد أية سلعة يمكنه أخذها، ويتولى المشرف على الكافتيريا والبقالة تسجيلها فى الكشوف، وتقييدها باسم صاحبها، لحين السحب من حسابه بالأمانات فى نهاية الشهر.
ولأن المحاسبة داخل السجن تعتمد على السجائر كعملة للسداد، فقد فوجئت يومًا بالدكتور محيى الدين الغريب ينتحى بى جانبًا ويبلغنى بصوت هامس بأنه، وفقًا للنظام داخل عنبر المستشفى بالسجن، فإن من يتولون نظافته من المساجين الشبان يحصلون على خرطوشة سجائر شهريًا من كل نزيل بالعنبر .. فهمت الرسالة .. وفى صباح اليوم التالى كنت أضع بين يدى الوزير السابق خرطوشتى سجائر كليوباترا كمقابل لى ولمصطفى.
وفى السجن تختار كل مجموعة متآلفة من بعضها أن تتناول طعامها معًا وفقًا لنظام محدد ومتفق عليه، وقد أعجبنى فى عنبر المستشفى هذا النظام الصارم الذى تفرضه مجموعة الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل، حيث تتناول وجباتها وفقًا لمواعيد ثابتة لا تتأخر، ولا تتقدم دقيقة .. فعند الرابعة إلا ربعًا من بعد ظهر كل يوم يمكنك أن تضبط ساعتك وأنت تشاهد هذه المجموعة وقد جلست حول مائدة الغداء بعد أن تكون قد أعدت قبيل فترة وجيزة.
الزيارات هى أكثر ما ينتظره السجين خلف الأسوار .. فحين ينادى على السجين بأن لديه زيارة تجده يلبس أفخر ما عنده من ملابس 'زرقاء' يقص شعره، ويحلق ذقنه، ويتأهب فى أحلى صورة .. ثم يحمل معه 'تذكرة الزيارة' التى لا يسمح له بالزيارة بدونها، ويخرج إلى زائريه الذين يتعايش معهم للحظات عما يشغلهم فى الدنيا، ويتنسم منهم أخبار عالم ما خارج الأسوار.
وقد كانت الزيارات بالنسبة لنا فى محبسنا فرصة لاختبار حجم حب الأصدقاء لنا .. وقد كان للزيارات المتعددة التى جاءتنا أثرها العميق فى نفوسنا .. كما اشتملت بعضها على مفارقات غريبة.
فالسيناريست الكبير وحيد حامد حين جاء لزيارتنا، وجلس معنا مطولاً .. لم نعرف فوزه بجائزة الدولة التقديرية إلا بعد مغادرته للسجن، حيث فوجئنا بعد أن وصلتنا الصحف ورحنا نقرأها باسمه وصورته تتصدر الصحف، وقد كان مغزى زيارته لنا يوم إعلان فوزه بمثابة لمحة إنسانية غاية فى الرقة والبراعة .. أما الفنانة الكوميدية خفيفة الظل سناء يونس، فقد جاءت لزيارتنا مبكرًا، وحين أبلغنا بخبر الزيارة كان مصطفى جاهزًا فخرج لمقابلتها، بينما لم أكن قد استعددت بعد لانشغالى بالطابور الرياضى الصباحى، وحين أعددت نفسى وتوجهت
- 16 -
لإدارة السجن لمقابلتها كانت قد غادرت، الأمر الذى أفقدنى رؤية ومقابلة فنانة وطنية أكن لها كل التقدير والاحترام ويومها جاءت محملة بعلب الحلوى والمأكولات.
أما شاعرنا الكبير فاروق جويدة فقد أبلغتنا إدارة السجن أنه حصل على تصريح لزيارتنا، إلا أنه تأخر، ولم يحضر إلا بعد يومين من إبلاغنا .. وعلى مدى هذين اليومين كنا حريصين على مقابلته .. وحين جاء كان لقاؤه دافئًا وشاعريا، ويحمل مشاعر وطنية متدفقة.
وفوجئنا معه بزيارة د.أسامة أبو طالب رئيس المركز القومى للمسرح والذى كانت لزيارته وقع ككير فى النفس.
ومن الزيارات المثيرة كانت تلك الزيارة التى قام بها اللواء سفير نور رئيس مجلس إدارة المعاهد القومية ومعه د. نبيه العلقامى عضو الأمانة العامة للحزب الوطنى، حيث تمت فى وقت متأخر، وحضر معهما اللواء رشيد مدير منطقة سجون طرة، وصحبهما الشاعر مصطفى كامل مؤلف أغنية 'بابا فين'.
وإذا كانت الزيارات التى قصدتنا داخل محبسنا قد شملت شخصيات من كل فئات المجتمع المصرى دون ارتباطها بحزب أو تنظيم أو فئة بعينها .. فقد كان لبعض الزيارات طعمها الخاص .. ففى اليوم الثانى من دخولنا السجن جاء لزيارتنا وفد من نقابة الصحفيين ضم الزملاء يحيى قلاش السكرتير العام لنقابة الصحفيين وسعيد عبدالخالق رئيس تحريرالميدان وعضو مجلس النقابة وأحمد موسى رئيس قسم الحوادث بالأهرام، ثم تلى ذلك زيارات للزملاء حمدين صباحى عضو مجلس نقابة الصحفيين وأيمن نور عضو مجلس الشعب وياسر رزق عضو مجلس النقابة ومحمد صلاح الزهار ثم زارنا الأساتذة سناء السعيد ومحمد حسن الألفى المستشار الإعلامى لوزير الثقافة والأساتذة محمود مهدى نائب رئيس تحرير الأهرام والكاتب الكبير محمد عودة والأستاذ يوسف الشريف والأستاذ عبدالعظيم مناف وإبراهيم حفنى رئيس تحرير صوت قنا وعبدالهادى تمام الصحفى بالأهرام وحمدى حمادة الصحفى بصوت الأمة وحسين عبدالقادر رئيس قسم الحوادث بأخبار اليوم والزميل أحمد رفعت رئيس تحرير مجلة ' أفراح 'وعبدالله تمام رئيس تحرير أخبار أسيوط وناجى الشهابى رئيس حزب الجيل ورئيس مجلس إدارة الصحيفة والذى تابع قضيتنا منذ اليوم الأول ومختار عبدالعال رئيس تحرير الجيل ومحمد مصطفى مدير مكتب صحيفة السياسة الكويتية بالقاهرة وأحمد يوسف الصحفى بجريدة الرأى والزميل عصام كامل مدير تحرير الأحرار ومصطفى عبدالعزيز لصحيفة الوفد وغيرهم.
كان وصول هذه الأعداد المتنوعة من الصحفيين للزيارة هو تعبير عن تعاطف وتضامن الصحفيين مع قضيتنا، وتعبير عن تلاحمهم فى معركة رفض حبس الصحفيين فى قضايا النشر، حيث كانت قضية حبسنا سببًا فى إعادة طرح القضية مجددًا كما عبر عن ذلك بصدق الصحفى الكبير صلاح منتصر فى مقالته الرائعة بالأهرام.
ومن الأمور التى بعثت فى نفوسنا البهجة والراحة فى آن واحد هو ما علمناه من مجهودات ومتابعة دقيقة لقضيتنا من قبل أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل، الذى بذل كل ما يستطيع من جهد فى الدفاع عن موقفنا، كما كلف مكتبه بأن يبلغ أسرتينا بأنه على استعداد لتوفير كل المتطلبات اللازمة لنا خلال فترة السجن، وكانت اتصالات الأستاذ هيكل بأسرتينا شبه يومية.
أما الأستاذ النقيب إبراهيم نافع فما قام به من جهد فى قضيتنا إنما كان تجسيدًا لدفاعه الدائم عن حرية الصحافة، ورفضه المطلق لقانون حبس الصحفيين فى جرائم النشر، وتأكيدا على دوره فى حماية الصحفيين وأسرهم خلال تعرضهم للمحن، وهو دور نجح فيه بامتياز وبجدارة.
وإذا كان الصحفيون قد توافدوا على زيارتنا من كل مكان، ناهيك عن الزملاء بـ'الأسبوع' الذين استطاع عدد محدود منهم الوصول إلينا .. بينما عاد العشرات من أمام بوابة السجن بعد أن رفضت الإدارة السماح لهم بالزيارة .. فإن تجمعات أخرى تمكنت بعض رموزها من الزيارة كالفنان الكبير حمدى أحمد والفنان سامح الصريطى اللذين كانت وقفتهما تعبيرًا عن إيمانهما العميق بحرية الصحافة، وحرية الوطن .. كما جاء لزيارتنا وفد يضم ممثلين عن رابطة أبناء قنا بالقاهرة ضم: د.أنور رسلان عضو مجلس الشورى والعميد السابق لحقوق القاهرة والأستاذ محمود مهدى وماهر الجربوعى وفاروق معتوق والحاج عبدالنعيم آدم عضو مجلس إدارة المقاولون العرب ود. عصمت دنقل وكيل وزارة الصحة بقنا وممدوح رمزى المحامى وغيرهم حيث جاءوا إلينا ناقلين لنا تحيات الأستاذ فكرى مكرم عبيد رئيس رابطة أبناء قنا والذى بادر منذ اليوم الأول لتبنى قضيتنا .. أما المحامون فقد توافد علينا العشرات منهم يعرضون الدفاع عنا أمام المحكمة. ومنهم الأستاذ ممدوح قناوى الذى زارنا مرتين والأستاذ سمير عيسى بالاضافة للأستاذين محمد الدماطى وعلى عبدالعزيز وكان للأستاذ سامح عاشور نقيب المحامين مع كتيبة المحامين الشرفاء الدور البارز فى متابعة تطورات القضية منذ لحظة القبض علينا وحتى اطلاق سراحنا.. وحين توجه الأستاذ النقيب إلى المغرب لحضور اجتماع لاتحاد المحامين العرب كان يجرى الاتصالات المستمرة مع حرم شقيقى مصطفى لمتابعة الموقف أولاً بأول.
وكان من مفاجآت الزيارات تلك الزيارة التى قام بها المفكر القبطى الدكتور نبيل لوقا بباوى الذى أهدانا نحن وإدارة السجن بعضًا من مؤلفاته الأخيرة التى استمتعنا بقراءتها خلال فترة الحبس.
فى سجن المزرعة بطرة رحنا نسمع حكايات لا أول لها ولا آخر عن مسجونين سابقين مروا يومًا من هنا .. وكان بينهم قائد تنظيم ثورة مصر محمود نور الدين الذى وصف لنا أحد المسجونين كيف أنه شاهده يقف فى أحد الأماكن بفناء السجن ويتأمل السماء بعينيه، وفى اليوم التالى سقط شهيدًا فى ذات الموقع الذى كان يتأمله فى اليوم السابق.
أما بقية أبطال ثورة مصر نظمى شاهين وسامى فيشة وحمادة فقد تركوا بصمات واضحة داخل السجن الذى قضوا فيه خمسة عشر عامًا من أعمارهم بتهمة مطاردة جواسيس 'الموساد' والـ'سى.آى.إيه' على أرض مصر المحروسة.
- 17 -
فى السجن.. طقوس.. وعادات.. ومواقف لا تنسى
- الأزمة وحدت مواقف الصحفيين على قلب رجل واحد
- قلنا للصول مصطفى إننا نحتج على عمل الفيش والتشبيه بالحبر الأمريكانى.. فرد قائلا: الحبر المصرى يحتاج يومين لإزالة آثاره
- حسن المعاملة فى سجن المزرعة ذكرنا بالأيام الكئيبة فى حبسة ليمان طرة 1981
- 'كوكتيل' المساجين تفرقهم الخلافات والاتهامات وتجمعهم العلاقة الإنسانية
- معالجة الصحافة الكويتية لقضيتنا شكلت مفاجأة حقيقية لنا
- كل سجين يبحث عن صديق كمستودع لأسراره يهون من غربته
- 'كيمياء' إنسانية خاصة ربطت علاقتنا بخالد محمود وياسر سعودى
فى العالم الداخلى للسجون.. يتحول المسجون إلى مجرد رقم.. يدون به فى السجلات.. ويرفق فى الاستمارات.. ويكتب فى صدر التذكرة الخاصة بكل سجين.. وإذا كان المواطن يعرف خارج السجن، وتدون بياناته فى الأوراق الرسمية من واقع وظيفته، ومهنته.. فما أن ينتقل داخل الأسوار.. حتى يتغير حاله، ويتبدل.. حيث سرعان ما يستبدل لفظ الأستاذ أو السيد إلى لفظ 'المحكوم' أو 'النزيل' وبدلا من تحديد وظيفته فى البيانات الرسمية كوزير أو صحفى أو محام أو رجل أعمال، تملأ الخانة المحددة بدلا من ذلك بالعقوبة المحكوم بها على السجين وفقا للجريمة المنسوبة إليه، فقد يوضع بدلاً من خانة الوزير 'تهمة' أموال عامة، وترفع وظيفة الصحفى لتحل محلها تهمة 'السب والقذف' ويستبدل لفظ 'المحامى' بجريمة 'النصب' و'رجل الأعمال' بـ'السرقة'.. وغير ذلك.. ووفقاً لذلك تخضع حالة السجين لقواعد ولوائح السجن التى تطبق على الجميع.
فما أن تطأ قدماك السجن، حتى تجد نفسك أسير سلسلة من الاج0راءات.. فبعد التسكين وتدوين البيانات وملء الاستمارات اللازمة.. وما أن بدأنا الانخراط فى عالم السجن صبيحة اليوم التالى حتى فوجئنا بالصول مصطفى المساعد بسجن المزرعة يتجه نحونا، طالبًا منا أن نتبعه لعمل الفيش والتشبيه الخاص بالسجن هذه المرة.. وإذا كانت إدارة تنفيذ الأحكام حصلت على ثلاثة فيشات لكل منا، إلا أننا فوجئنا بالصول مصطفى يغرق أصابعنا فى الحبر لعمل (5) فيشات دفعة واحدة.. وفيما كان الصول مصطفى يواصل فى همة يحسد عليها عمل الفيشات بمهارة وخبرة عالية، راح شقيقى مصطفى يسأله عن نوعية الحبر الذى يستخدم فى الفيش والتشبيه.. فأجاب على الفور 'ده حبر امريكانى'.. عند ذاك قلنا له' هى كل حاجة فى حياتنا بقت أمريكانى.. ألا يوجد حبر مصرى؟.. فنحن لا نحب الأمريكان، ونقاطع كل منتجاتهم'.. وهنا قال الصول مصطفى 'لو استخدمتوا الحبر المصرى، مش هيطلع من ايديكم ولو بعد يومين.. ولكن الحبر الأمريكانى نظيف وبيطلع من الأصابع بسرعة'.
لقد شعرنا آنذاك أننا مرغمون على التعامل مع 'الحبر الأمريكانى'.. وإن كنا غير راضين عن ذلك.. وما أن أنهى الصول مصطفى عمل (5) فيشات لكل منا، حتى فوجئنا بمصور السجن يطلب منا الوقوف بجوار أحد الجدران لالتقاط الصور الرسمية باعتبارنا من المحكومين، وحتى توضع هذه الصور فى ملفنا الرسمى.
فى هذه اللحظات جالت بخاطرى تلك اللحظات الكئيبة من عام 1981، حين اعتقلنا أنا ومصطفى فى السادس عشر من أكتوبر لعام 1981، وأودعنا ليمان طرة بتهمة معارضة سياسات السادات مع إسرائيل قبيل اغتياله فى السادس من أكتوبر من العام ذاته..فى هذا الوقت كان المسجونون السياسيون يقابلون بتشريفة خاصة.. وقد كان من الأمور المبتكرة لدى إدارة سجن الليمان الذى تم إيداعنا فيه أن السجين يلقى فور دخوله 'ترحيبًا حارًا' فما أن يعبروا بك الباب الخارجى للسجن، ويدلفوا بك إلى داخله، حتى تفاجأ بأحد الصولات غليظ البدن والقلب والمشاعر يعبث فى جسدك، ويحرك يديه فى كل مناطق جسمك دون اعتبار لحرمة بعضها.. وحين رحت يومها اسأل الصول عما يفعل.. رد على بقوله: 'يمكن تكون مخبى حاجة فى ملابسك الداخلية'.. ولم نكد ننتهى من صدمة التفتيش الحار يومها.. حتى
- 18 -
فوجئنا بالعميد محمد صفوت جمال الدين مأمور السجن آنذاك.. يقف على رأس مجموعة من الجنود مفتولى العضلات، أقوياء البنية.. يتأهبون للانقضاض علينا، وكأنهم ينتظرون فريسة آنت لحظة التهامها.. صفان من الجنود وقفوا على أهبة الاستعداد وبأيديهم عصى جلدية مكهربة.. راحوا يمطروننا بها، بينما نحاول نحن مقاومتهم بكل ما أوتينا من قوة.. رحنا نواجههم بشجاعة رغم أن عددهم كان يتجاوز العشرين.
ووسط وابل الشتائم الذى أطلقناه فى مواجهتهم كان عدد منهم يسمك بذراعى كل منا، بينما انقض على كل منا 'جزار' يوصف كذبًا بأنه 'حلاق السجن' ففى ضربتين متوازيتين بماكينة الحلاقة كان قد حفر فى رأسينا نهرين متقاطعين، أحدهما مار بوسط الرأس من أوله لآخره طولاً، والآخر بعرض الرأس، فيما ترك لنا باقى شعرنا وكأنة أشجار وتلال وتضاريس تحرس شواطئ النهر آنذاك..
تذكرت هذه اللحظات التى مضى عليها اثنان وعشرين عامًا الآن، بعد أن وجدت ذات المنظر يتكرر.. وإن كان شتان الفارق بين صورة الأمس واليوم.
فى ذلك الوقت البعيد أصرت إدارة السجن على أن نقف فى طابور طويل، فى سلسلة لا تنتهى من المسجونين.. كل منا ينتظر دوره للتصوير.. حاولنا يومها أن نذهب للحلاق لنقص ما تبقى من شعر الرأس.. لكن الإدارة أصرت على أن تأتى الصورة مشوهة، وكأن المقصود هو الإيذاء النفسى وليس البدنى فقط.. فحين وصلنا إلى مصور السجن، وبعد أن وقفنا لأكثر من ساعتين تحت الشمس الحارقة، أعطوا لكل منا رقما لنحمله على صدرنا حيث تلتقط لنا صورة بكافة ملامح وجهنا، ثم يوضع الرقم فى جانب الكتف حتى تلتقط لنا صورة جانبية.. الأمر الذى ذكرنى آنذاك بصور المجرمين الهاربين الذين تنشر صورهم فى الصحف ووسائل الإعلام بحثًا عنهم حين يهربون.
هذه الصورة المأساوية اختفت تمامًا فى هذا الزمان الذى يدير فيه دفة الأمن ببلادنا أناس يحفظون للإنسان قيمته وكرتمته، فقد وقفنا أنا وشقيقى مصطفى حاملين أرقام السجن، مبتسمين للكاميرا التى دارت لالتقاط الصور فى لحظات دون أن نتحمل أى عبء، أو نتعرض لأية متاعب.
كان أكثر ما شغلنا فى تلك اللحظات هو موقف الصحفيين والمؤسسات الصحفية المختلفة إزاء ما حدث معنا، خاصة بعد أن تبين للجميع أن قضيتنا عادلة، فقد سبق ذلك بأيام إدانة محمد عبد العال رئيس حزب العدالة السابق وسجنه لـ10 سنوات فى اتهامات تتجاوز بكثير ما نشرناه ضده، وكان سببًا فى الحكم بسجن كل منا لمدة عام.. لم يكن شاغلنا آنذاك لسبب ذاتى أو شخصى، بل كان شاغلنا هو قضية حبس الصحفيين التى تحولت إلى ظاهرة لم تطل حتى الآن إلا الشرفاء من الصحفيين.
وبقدر انشغالنا، بقدر ما بدت قلوب وسواعد الصحفيين منذ اللحظات الأولى على قلب رجل واحد، وكانوا جميعهم أو غالبيتهم العظمى عند مستوى التحدى المأمول منهم.. وإذا كانت العديد من الصحف والزملاء قد اتخذوا مواقف واضحة وبليغة إزاء ما جرى.. وأكدت وقوف كل الصحفيين فى خندق واحد دفاعًا عن حريتهم.. إلا أن الأزمة التى تعرضنا لها، كانت لها ــ ومنذ لحظاتها الأولى ــ جوانب إيجابية، فقد أطاحت بكل الخلافات التى تراكمت بفعل العمل الصحفى بيننا وبين بعض الزملاء فى الحقل الصحفى إبان السنوات الماضية.. فيما ظهرت مواقف ناصعة البياض لزملاء أعزاء كانت وقفتهم أكبر من مفاجئة بالنسبة لنا.
فحين كنا نشق طريقنا صوب السجن، وبينما كانت اجراءات الحبس تتواصل.. تلقى شقيقى مصطفى اتصالاً من الأخ والزميل جمال فهمى الكاتب والصحفى البارز بجريدة العربى.. الناصرى.. كانت كلماته تقطر ودًا، وتطوى بحلاوتها صفحة تمنينا كثيرًا أن تذهب بلا رجعة.. وعلى هاتفى تلقيت اتصالا من الدكتور رفعت سيد أحمد كان محملاً بكلمات وعبارات حماسية، ومجاملة رقيقة على نبل المواقف رغم مساحة الخلاف.. وجاءت كلمات ياسر زارع سكرتير تحرير 'الأسبوع' السابق لتؤكد أصالته.. فيما راح العشرات من الزملاء، من صحفيين ومحامين يتحركون ويحتشدون فى مبنى النقابة وصحيفة 'الأسبوع' وساحة المحكمة، يقدم كل منهم نموذجًا فريدًا فى العطاء والوفاء.
ولم تمض أيام، بل لحظات على عملية القبض علينا، حتى راحت معظم الصحف تكسر حاجز الخلاف، وتقتحم بوابات القطيعة، وتعبر فى شكل تضامنى غير مسبوق عن واقع جديد لحالة فريدة انطلقت فيها كل الأقلام الحرة، لتذود عن الكلمة الحرة.. وقفت صحيفة 'العربى' بقيادتها ممثلة فى الزميلين عبدالله السناوى وعبدالحليم قنديل وأسرة تحريرها موقفاً مشرفًا وعظيمًا، وبمهنية عالية قاد الأستاذ عادل حمودة كتيبة 'صوت الأمة' فى دعم موقفنا، وبتأييد عارم صمدت 'الميدان' بقيادة المخلصين سعيد عبدالخالق ومحمود الشناوى فى قلب ميدان الحق.. تدفع عن الصحافة هذه الهجمة. وانبرت صحيفة 'الجيل' بقيادة ناجى الشهابى ومختار عبدالعال تكشف للمصريين أبعاد ما جرى، معربة عن تضامن غير مسبوق، وراحت صحيفة 'النبأ' وبتوجيه مباشر من رئيس مجلس إدارتها ممدوح مهران الذى فقدناه الأسبوع الماضى برحيله المفاجىء عنا، راحت تقف فى الخندق الأمامى، بينما وقف الزملاء بالأحرار، وفى القلب منهم الزميل عصام كامل، مدير التحرير موقفاً محترمًا.. وكتب الزميل أسامة الكرم فى 'حديث المدينة' كلمات ممزوجة بحب فريد، وكان للزميلين مؤمن
- 19 -
أحمد وهشام أبو المكارم دورهما الجسور فى جريدة 'الصدى'.
وكانت المفاجأة الكبرى فى موقف الزميل ياسر فرحات رئيس مجلس إدارة صحيفة 'الملتقى' الذى كان لموقفه أثر كبير فى نفوسنا بعد أن تبنى قضيتنا وحملها على عاتقه بشكل اتسم بالفروسية والشجاعة.. وكان لصحيفة الحقيقة برئاسة الأستاذ محمد عامر دورها المؤثر فى الدفاع عن الحريات.
وإذا كانت صحيفة 'الأهرام' قد سبقت الجميع فى موقفها الذى يليق بتاريخها فى الدفاع عن الحريات فإن الاستاذ عباس الطرابيلى كان صادقاً مع نفسه حين عبر عن وقفته المبدئية فى صحيفة 'الوفد'.. واتخذ صحفيو 'الأهالى' موقفاً واضحًا فى التضامن مع قضيتنا، وتضمنت صحيفة 'آفاق عربية' بقوة، ووقفت جريدة 'المصريين' برئاسة المستشار أحمد الفضالى ذات الموقف، وراحت الصحف العربية، وعلى امتداد العالم العربى تتخذ موقفاً داعمًا، وتدفع بالقضية إلى آفاق أوسع وأرحب.. واتخذت صحيفة الوقائع العربية برئاسة تحرير أسامة شرشر موقفاً مبدئيًا.
ووقفت القنوات الفضائية وفى مقدمتها المنار والعربية والجزيرة وأبو ظبى والـ A. N. N وقناة النيل للأخبار وغيرها تتابع القضية أولاً بأول.. واتخذت منظمات حقوق الإنسان واللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأى موقفاً رافضاً للحبس.. فيما تكدست مواقع الانترنت بالمقالات ودعوات التضامن التى لا أول لها ولا آخر.
أما الزملاء بـ'الأسبوع' فقد علت قامتهم وموقفهم أى كلام يمكن أن يقال.. فقد كانوا كتيبة مقاتلة بحق كما وصفهم الأخ مصطفى بكرى. وكان من المواقف تلك التى عبر عنها الأساتذة صلاح منتصر وسلامة أحمد سلامة وأسامة سرايا فى الأهرام، وجمال الغيطانى فى أخبار الأدب وعبدالرحمن الأبنودى فى الوفد ومحمد عبدالقدوس فى آفاق عربية وعصام العريان وملك إسماعيل وأيمن نور ود. محمود جامع فى الميدان ومحمود المراغى فى البيان الاماراتية ومحمد الخولى والسيد الغضبان فى العربى ومحمد حسن الألفى فى الوفد وغيرهم من كبار الكتاب بالاضافة للمئات من الزملاء الصحفيين، سواء من كتبوا فى صحفهم أو اعتصموا فى نقابة الصحفيين أو اتخذوا موقفاً داعمًا لحرية الصحافة والصحفيين.
وإذا كانت الصحافة العربية قد اتخذت فى مجملها موقفاً تضامنيًا من أزمة حبسنا، فقد كنا نتوقع، ومنذ اللحظات الأولى للقبض علينا أن تبادر الصحافة الكويتية وعلى ضوء ما بيننا وبينها من خلافات بشن حملة شرسة ضدنا.. بيد أن الأمر جاء بمثابة مفاجأة لنا.. فحين تابعنا ما نشر فى الصحافة الكويتية، خاصة صحفيتى الوطن والسياسة أدركنا كيف أعلت تلك الصحف من شأن حرية الصحافة والصحفيين على ما عداها من أمور سياسية خلافية اتخذت طابع الحدة فى الأشهر الأخيرة.
فى السجن تتباين المشاعر، وتختلف الرؤى حول كل من تقابلهم.. وقد حاولنا أنا ومصطفى منذ اليوم الأول لايداعنا سجن المزرعة أن نتعامل بطبيعتنا، وعلى سجيتنا كما يحدث تمامًا فى عالم الخارج، متفقين على أن العلاقة الإنسانية مع المسجونين هى الأساس الذى يحكم هذه العلاقة، وأن كون أى إنسان سجين مجرما أو مظلوما.. قبض عليه وحوكم لأنه ارتكب جريمة ما، أو زج به ظلمًا.. فذلك أمر لا يعنينا فى تلك الظروف لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بما داخل النفوس، ولأن القضاء ولسنا نحن هو الذى اطلع على الأدلة وأصدر حكمه.
مثل هذه النظرة كانت الدافع وراء انفتاح علاقتنا بكل من تعاملنا معهم داخل السجن، ولأننا بشر تتحرك قلوبنا بمشيئة الله سبحانه وتعالى فإن كيمياء إلهية ربطت بين قلوبنا وبين بعض من هم خلف الأسوار.. وإذا العديد منهم قد احتل مساحة من الود الإنسانى داخل قلوبنا، فإن بعضهم احتل مساحة كبيرة من مشاعرنا جراء عوامل شخصية ربطت فيما بيننا منذ اللحظات الأولى للقائنا خلف الأسوار.
وكأن شيئاً إلهيًا، وخيطاً موصولاً ربط بيننا وبين خالد حامد محمود نجل الوزير السابق.. فمنذ ليلة وصولنا الأولى سمعنا من المسجونين كيف انعزل عن الدنيا فى العنبر المسجون فيه وكيف راح يستغل جل وقته فى العبادة والصلاة.. كان الكثيرون يتحدثون عنه بلغة طيبة.. وبدا واضحاً أنه اكتسب موقعاً متميزًا فى قلوب المسجونين.. لم نكن نعرفه من قبل.. وقد أردنا جراء ما سمعنا عنه أن نتعرف عليه.. فأرسلنا فى طلبه مع المهندس يحيى الذى يقيم معه بذات العنبر، ولكنه جاء ليبلغنا أنه مستغرق فى الصلاة ولن ينتهى قبل ساعتين.. وحين انتهى من صلاته وخرج من العنبر باحثاً عنا كنا مشغولين بزيارة لنا فى إدارة السجن.. وهكذا مر يومان قبل أن نلتقى سويًا.. وحين التقينا كانت مشاعر إنسانية رقيقة تتسلل بداخلنا تجاهه.. وبدأ هو الآخر يعبر عن ذات المشاعر، لدرجة أننا وهو أمسكنا دموعنا بالعافية لحظة خروجنا من السجن بعد أن تمكنت العلاقة الإنسانية والتى هى بعيدة عن أية أمور أخرى من مشاعرنا.
وخلال وجودنا بعنبر المستشفى لاحظنا أن شخصًا يقيم بعنبر 'ب'المقابل للعنبر الذى نقيم به.. يتخذ لنفسه ركناً خاصًا فى نهاية العنبر لا يكاد يغادره إلا للخروج للتريض صباحًا بصحبة الدكتور طارق إبراهيم، أو للخروج للزيارة، وحين تلاقينا فى صالة العنبر للمرة الأولى راح يطلب الجلوس مع شقيقى مصطفى ليروى له بعضاً من فصول مأساته.. وقد وطد هذا اللقاء من لقاءاتنا معه، ثم فوجئنا بحالة من التقارب اليومى فى علاقتنا ومشاعرنا وأصبحت علاقة خاصة تربط بيننا وبينه.. كان هذا الشخص هو الشاب ياسر سعودى الذى حمل فى داخله قلبًا نقيًا، وروحًا آخاذة.
- 20 -
وإذا كانت علاقات السجن تحكمها المعايير الإنسانية بالدرجة الأولى.. فقد توطدت أواصر الود مع السجين السياسى هشام محمود عبدالعزيز منذ اللحظات الأولى لدخولنا السجن، حيث هون علينا كثيرًا، وبما لديه من خبرات من أعباء السجن ومتطلباته، وكان عوناً لنا فى تلبية متطلباتنا واحتياجاتنا، كما كان ابن الاشراف بقنا السجين محمد يوسف مدنى عاملاً مساعدًا لنا فى التغلب على بعض المتاعب.
المتأمل لحالةالسجن والسجناء يلمس كل صنوف البشر.. ويكتشف ما بداخلهم من معان.. فالسجن محنة يتعايش فيها السجن مع نفسه أولا، ومع الآخرين ثانيا.. وأول ما يبحث عنه السجين هو أن يجد لنفسه صديقاً، يكون كمستودع الأسرار الذى يحمل عن كاهل صديقه كل هموم غربة السجن.. ويتشاور معه فى كل شئون حياته.. ولعل نظرة تأمل لحال المسجونين فى الداخل تكشف أن كل اثنين يجمعهما رابط مشترك، فنجدهما يتحركان سويًا، ويجلسان سويًا، ويأكلان سويًا.. ومع أن علاقات ممتدة تجمع بين السجناء عمومًا إلا أن البعض، وهم الغالبية يتعايش وفق علاقة ثنائية.. والقليل - القليل فقط هو - من يفضل العيش بمفرده.. لا صاحب له سوى نفسه، وإن كانت عزلته لا تمنع من تلاقيه مع الآخرين، حيث تفرض ضرورات السجن ومتطلباته مثل هذا التلاقى.
والسجن ملئ بالظواهر المثيرة، وأصحاب الرؤى المختلفة.. ويمكن وصف حال سجن المزرعة بأنه ملتقى لكوكتيل من البشر الذين تتنوع اتجاهاتهم وأفكارهم، واهتماماتهم واتهاماتهم.. فهناك المسجونون على ذمة التنظيمات الإسلامية المختلفة.. هناك عناصر الجماعة الإسلامية، ومن تنظيم الجهاد.. من السلفيين، وهناك الاخوان المسلمون، وهناك المنضوون تحت لواء حزب التحرير الإسلامى، وهناك من هم متهمون بازدراء الأديان، والقرآنيون.. وغير ذلك ممن تتعدد رؤاهم ومواقفهم.
وهناك أيضاً من أسمتهم الصحافة بنواب القروض، وبعض المحكومين من ضباط الشرطة أو رجال النيابة أو عساكر الجيش الهاربين، وهناك من هم متهمون فى جرائم قتل وناهبو المال العام، والمضبوطون فى قضايا رشوة وغير ذلك ممن تضمهم عنابر السجن أرقام 3 و4 و5 بالاضافة إلى عنبر المستشفى.. والذين يتجاوز عددهم الـ350 سجينًا، ينتظر زيادتهم بعد الانتهاء من عمليات إعادة بناء وترميم عنبرى (1، و2) الجارى العمل فيهما الآن.
وقد تعود بعض المساجين الذين يسمح بخروجهم من العنابر صباحا على ممارسة الرياضة وفقاً لامكانات السجن المتاحة فمنهم من يعشق لعب الحديد للحفاظ على عضلاته.. ولأن وجود أدوات حديدية للتدريب عليها أمر مرفوض داخل السجن فقد استعان المسجونون ببعض علب الصفيح، وملأوها بالأسمنت، وأمدوا عمودا فى الوسط، وراحوا يستخدمونها فى رفع الأثقال.. ويهوى بعض المساجين ممارسة المشى فقط مع بعض التمرينات الرياضية، كما هو حال ياسر سعودى وطارق إبراهيم، ويهوى البعض ممارسة المشى وحده بشكل يومى ومنتظم وفى مواعيد محددة، كما هو حال رجل الأعمال إحسان دياب والمهندس ماجد البدرى والمحامى أحمد الهندى الذى انخفض وزنه كثيرا جراء حرصه على ممارسة الرياضة يوميا.. وهناك من يمارس الرياضة فى وقت مبكر بداخل العنبر بعيدا عن الشمس لأسباب صحية، كالوزير السابق توفيق عبده إسماعيل والذى يمشى لمدة ساعة يوميا فى مسافة لا تتعدى السبعة أمتار طولا.. وهناك ظاهرة غريبة عايشناها فى السجن، متمثلة فى حالة الشيخ على السيسى الذى يعالج بالتداوى بالأعشاب من الصلع وخلافه من الأمراض، حيث يمتلك هذا الشيخ السجين قوة خارقة فى جسده.. ففى إحدى المرات أراد أن يثبت لنا قوته غير العادية.. فطلب من مصطفى أن يحاول بيديه أن يحكم قبضته حول رقبته.. وقد ضغط مصطفى على رقبة الشيخ على السيسى بكل ما يملك من عزم، لكنه لم يتأثر بشىء.. وفى مشهد آخر طلب منه أن يضربه فى بطنه.. وحين حاول مصطفى فعل ذلك ارتدت قبضته بفعل عضلات الشيخ على الذى تأكدنا بالفعل من قوته الجبارة والخارقة.
منذ لحظة القبض علينا لم تهدأ التحركات لاطلاق سراحنا، فقد تحركت نقابة الصحفيين بقوة بقيادة النقيب الأستاذ إبراهيم نافع، وتحرك الأساتذة المحامون.. وتصاعدت التحركات فى كل الأنحاء.. وأخيرًا تحدد يوم الثالث والعشرين من يونيو لنظر الاستشكال فى الحكم أمام الدائرة 19 بمحكمة جنايات شمال القاهرة.. راحت الأيام تقطع طريقها نحو هذا الموعد. ورحنا نتأهب للحظة سوف تحدد ما هو قادم.. ورحنا نعيش لحظات ما قبل وأثناء وبعد المحكمة.
الخميس، 18 يونيو 2009
الاثنين، 15 يونيو 2009
الأحد، 14 يونيو 2009
الجمعة، 12 يونيو 2009
الأربعاء، 10 يونيو 2009
عناوين مكتبات
Mohammed Abdulati (tetotalaat@hotmail.com)
علشان السناره تغمز..أمل محمود أرسلت رسالة لأعضاء Amal Mahmoud
--------------------
الموضوع: و واحة عمر MASTERS الآن الكتاب فى
بمناسبة الصيف و السفر و شط اسكندرية يا شط الهوا
هتلاقوا الكتاب فى الطريق الصحراوى فى واحة عمر و ماسترز
و قريبا هينزل من الحنفية ان شاء الله
:))
ده غير الأماكن دى كلها
القاهرة
منطقة وسط البلد و القصر العينى
مكتبة آفاق
القصر العينى: 75 ش القصر العينى \ أمام دار الحكمة
ت: 27953811
مكتبة البلد
العنوان: 31 ش محمد مسعود أمام الجامعة الأمريكية/ الدور الأول فوق شيلانترو و هاديز
ت: 27922768
عمر بوك ستورز
العنوان: 15 ش طلعت حرب – أعلى مطعم فلفله / وسط البلد
ت: 23960047
مكتبة الشروق
وسط البلد: 1 ميدان طلعت حرب - وسط البلد
ت: 23930643 \ 23912480
مكتبة ليلى
وسط البلد: 17 ش جواد حسنى متفرع من قصر النيل
ت: 23934402
منطقة المهندسين
مكتبة الشروق
المهندسين: 26 ش محمد كامل مرسى
ت: 3361774\ 3361707
مكتبة ديوان
المهندسين\ 39 ش شهاب
ت: 33040027
منطقة الزمالك
مكتبة ديوان
الزمالك\ 159 ش 26 يوليو
ت: 27362582
مكتبة ديوان
ماريوت القاهرة
الدور الأول محل رقم 19
ت: 2735 1125 - +(2012) 150 3493
منطقة الجيزة
مكتبة الشروق
الجيزة: فرست مول -35 ش الجيزة
ت: 35735035 \ 35685187
منطقة المعادى
مكتبة ديوان
المعادى\ معادى سيتى سنتر
ت: +(2012) 600 0169
مكتبة مجدى
جراند مول المعادى/ دور الكافيتريا
مكتبة آدم
Adam Bookshop
*Maadi Grand Mall - Shop 124 # 140
معادى جراند مول
Maadi -Degla-Cairo- Egypt
Tel - Fax: 002-02-25195351
منطقة مصر الجديدة
مكتبة ديوان
الكوربة: 15 ش بغداد
ت: 24171945 \ 24171944
مكتبة ديوان
مصر الجديدة\ 105 أبو بكر الصديق
ت: 26908184 \ 85
SOLUTIONS مركز الفنون و التصميمات
مصر الجديدة\ 33 ش عبد الحميد بدوى أمام نادى الشمس \ العمارة اللى جنب عمارة بابا جونز و باركليز - الدور الأول
ت: 26212196
منطقة عين شمس
مكتبة الوطنية
حلمية الزيتون/ 35 ش عين شمس خلف عمرافندي ش سليم الاول
ت:26448501
منطقة مدينة نصر
مكتبة الشروق
مدينة نصر: سيتى ستارز مول - الدور الأول
مدخل 7 ت: 24802544
منطقة المطار
مكتبات المطار
صالة ترانزيت 1 و صالة ترانزيت 2
مطار القاهرة الدولى
أو الإتصال بهبة حبشى
0105140016
طريق مصر اسكندرية الصحراوى
مكتبة الشروق
واحة عمر: الكيلو 108 طريق القاهرة الاسكندرية الصحراوى
ت: 0101633711
MASTERS
الطريق الصحراوى
الاسكندرية
مكتبة الشروق
الاسكندرية: سان ستيفانو مول - الدور الأول
محل رقم 121 ت: 4690370_03
مكتبة ديوان
اسكندرية سيتى سنتر
ت: +(2018) 500 2664
--------------------
علشان السناره تغمز..أمل محمود أرسلت رسالة لأعضاء Amal Mahmoud
--------------------
الموضوع: و واحة عمر MASTERS الآن الكتاب فى
بمناسبة الصيف و السفر و شط اسكندرية يا شط الهوا
هتلاقوا الكتاب فى الطريق الصحراوى فى واحة عمر و ماسترز
و قريبا هينزل من الحنفية ان شاء الله
:))
ده غير الأماكن دى كلها
القاهرة
منطقة وسط البلد و القصر العينى
مكتبة آفاق
القصر العينى: 75 ش القصر العينى \ أمام دار الحكمة
ت: 27953811
مكتبة البلد
العنوان: 31 ش محمد مسعود أمام الجامعة الأمريكية/ الدور الأول فوق شيلانترو و هاديز
ت: 27922768
عمر بوك ستورز
العنوان: 15 ش طلعت حرب – أعلى مطعم فلفله / وسط البلد
ت: 23960047
مكتبة الشروق
وسط البلد: 1 ميدان طلعت حرب - وسط البلد
ت: 23930643 \ 23912480
مكتبة ليلى
وسط البلد: 17 ش جواد حسنى متفرع من قصر النيل
ت: 23934402
منطقة المهندسين
مكتبة الشروق
المهندسين: 26 ش محمد كامل مرسى
ت: 3361774\ 3361707
مكتبة ديوان
المهندسين\ 39 ش شهاب
ت: 33040027
منطقة الزمالك
مكتبة ديوان
الزمالك\ 159 ش 26 يوليو
ت: 27362582
مكتبة ديوان
ماريوت القاهرة
الدور الأول محل رقم 19
ت: 2735 1125 - +(2012) 150 3493
منطقة الجيزة
مكتبة الشروق
الجيزة: فرست مول -35 ش الجيزة
ت: 35735035 \ 35685187
منطقة المعادى
مكتبة ديوان
المعادى\ معادى سيتى سنتر
ت: +(2012) 600 0169
مكتبة مجدى
جراند مول المعادى/ دور الكافيتريا
مكتبة آدم
Adam Bookshop
*Maadi Grand Mall - Shop 124 # 140
معادى جراند مول
Maadi -Degla-Cairo- Egypt
Tel - Fax: 002-02-25195351
منطقة مصر الجديدة
مكتبة ديوان
الكوربة: 15 ش بغداد
ت: 24171945 \ 24171944
مكتبة ديوان
مصر الجديدة\ 105 أبو بكر الصديق
ت: 26908184 \ 85
SOLUTIONS مركز الفنون و التصميمات
مصر الجديدة\ 33 ش عبد الحميد بدوى أمام نادى الشمس \ العمارة اللى جنب عمارة بابا جونز و باركليز - الدور الأول
ت: 26212196
منطقة عين شمس
مكتبة الوطنية
حلمية الزيتون/ 35 ش عين شمس خلف عمرافندي ش سليم الاول
ت:26448501
منطقة مدينة نصر
مكتبة الشروق
مدينة نصر: سيتى ستارز مول - الدور الأول
مدخل 7 ت: 24802544
منطقة المطار
مكتبات المطار
صالة ترانزيت 1 و صالة ترانزيت 2
مطار القاهرة الدولى
أو الإتصال بهبة حبشى
0105140016
طريق مصر اسكندرية الصحراوى
مكتبة الشروق
واحة عمر: الكيلو 108 طريق القاهرة الاسكندرية الصحراوى
ت: 0101633711
MASTERS
الطريق الصحراوى
الاسكندرية
مكتبة الشروق
الاسكندرية: سان ستيفانو مول - الدور الأول
محل رقم 121 ت: 4690370_03
مكتبة ديوان
اسكندرية سيتى سنتر
ت: +(2018) 500 2664
--------------------
الأحد، 7 يونيو 2009
السبت، 6 يونيو 2009
الموت والحياة
ان مات البطل فالبطولة لا تموت .. وان مات الشهيد فالشهادة لا تموت .. وان مات المجاهد فالجهاد لا يموت ..وان ماتت الدنيا ف ( الله حى لا يموت )..فطوبى لمن مات فى سبيل الله ..
الاثنين، 1 يونيو 2009
هواتف وزراء الحكومة المصرية
Tel : +966 2 6629027 Ext. 102
FAX : +966 2 6628978
Mob. : +966 55 5174091
السعودية - جدة
أحمد فتحى جبر
--------------------------------------------------------------------------------
مسلسل
الأسم
رقم التليفون
الوزارة
ملاحظات
1
الدكتور / أحمد نظيف
0123434343
رئيس وزراء مصر
2
الدكتور / أحمد درويش
0122247381
التنمية الإدارية
3
المهندس / رشيد محمد رشيد
0122146491
الصناعة
4
المهندس / أمين أباظة
0101700800
الزراعة
5
المهندس / ماجد جورج
0123126218
0106064390
البيئة
6
الدكتور/ يسرى الجمل
0106009335
التربية و التعليم
7
الدكتور / هانى هلال
0101623162
التعليم العالى و البحث العلمى
8
الدكتور / محمود أبو زيد
0106766600
الرى و الموارد المائية
9
زهير جرانة
0106000433
السياحة
10
الدكتور / يوسف بطرس غالى
0101010009
المالية
11
الدكتور / حاتم الجبلى
0122106917
الصحة
12
فايزة أبو النجا
0124448880
التعاون الدولى
13
اللواء حبيب العادلى
0121212121
الداخلية
14
سيد مشعل
0124449444
الإنتاج الحربى
15
المهندس / حسن يونس
0122113398
الكهرباء و الطاقة
16
المهندس / محمد لطفى منصور
0122105428
النقل و المواصلات
17
الدكتور / حمدى زقزوق
0102599990
الأوقاف
18
أحمد أبو الغيط
0123661111
الخارجية
19
محمود محى الدين
0101101102
الأستثمار
20
عائشة عبد الهادى
0123124317
القوى العاملة و الهجرة
21
الدكتور مفيد شهاب
0122108788
الدولة للشئون القانونية و المجالس النيابية
22
فاروق حسنى
0127888800
الثقافة
23
المهندس / عثمان محمد عثمان
0122144431
التنمية الإقتصادية
24
الفريق / أحمد شفيق
0103507777
الطيران المدنى
25
المستشار ممدوح مرعى
0123408999
العدل
26
انس الفقى
0101802801
الاعلام
27
عبد السلام المحجوب
0122117377
التنمية المحلية
28
المهندس / طارق كامل
0103032222
الاتصالات
29
المهندس / أحمد المغربى
0101757575
الاسكان
FAX : +966 2 6628978
Mob. : +966 55 5174091
السعودية - جدة
أحمد فتحى جبر
--------------------------------------------------------------------------------
مسلسل
الأسم
رقم التليفون
الوزارة
ملاحظات
1
الدكتور / أحمد نظيف
0123434343
رئيس وزراء مصر
2
الدكتور / أحمد درويش
0122247381
التنمية الإدارية
3
المهندس / رشيد محمد رشيد
0122146491
الصناعة
4
المهندس / أمين أباظة
0101700800
الزراعة
5
المهندس / ماجد جورج
0123126218
0106064390
البيئة
6
الدكتور/ يسرى الجمل
0106009335
التربية و التعليم
7
الدكتور / هانى هلال
0101623162
التعليم العالى و البحث العلمى
8
الدكتور / محمود أبو زيد
0106766600
الرى و الموارد المائية
9
زهير جرانة
0106000433
السياحة
10
الدكتور / يوسف بطرس غالى
0101010009
المالية
11
الدكتور / حاتم الجبلى
0122106917
الصحة
12
فايزة أبو النجا
0124448880
التعاون الدولى
13
اللواء حبيب العادلى
0121212121
الداخلية
14
سيد مشعل
0124449444
الإنتاج الحربى
15
المهندس / حسن يونس
0122113398
الكهرباء و الطاقة
16
المهندس / محمد لطفى منصور
0122105428
النقل و المواصلات
17
الدكتور / حمدى زقزوق
0102599990
الأوقاف
18
أحمد أبو الغيط
0123661111
الخارجية
19
محمود محى الدين
0101101102
الأستثمار
20
عائشة عبد الهادى
0123124317
القوى العاملة و الهجرة
21
الدكتور مفيد شهاب
0122108788
الدولة للشئون القانونية و المجالس النيابية
22
فاروق حسنى
0127888800
الثقافة
23
المهندس / عثمان محمد عثمان
0122144431
التنمية الإقتصادية
24
الفريق / أحمد شفيق
0103507777
الطيران المدنى
25
المستشار ممدوح مرعى
0123408999
العدل
26
انس الفقى
0101802801
الاعلام
27
عبد السلام المحجوب
0122117377
التنمية المحلية
28
المهندس / طارق كامل
0103032222
الاتصالات
29
المهندس / أحمد المغربى
0101757575
الاسكان
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)